بِالصِّدْقِ. وَكَانَ يَقُولُ: لَيْسَ لِعَارِفٍ عَلَامَةٌ، وَلَا لِمُحِبٍّ شَكْوَى، وَلَا لِعَبْدٍ دَعْوَى، وَلَا لِخَائِفٍ قَرَارٌ، وَلَا مِنَ اللَّهِ فِرَارٌ.
وَكَانَ الشِّبْلِيُّ يَقُولُ: الْعَارِفُ صَدْرُهُ مَشْرُوحٌ، وَقَلْبُهُ مَجْرُوحٌ، وَجَسَدُهُ مَطْرُوحٌ، وَالْعَارِفُ مَنْ عَرَفَ اللَّهَ، وَعَرَفَ مُرَادَ اللَّهِ، وَعَمِلَ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ، وَأَعْرَضَ عَمَّا نَهَى اللَّهُ، وَدَعَا عِبَادَ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَالصُّوفِيُّ مَنْ صَفَّى قَلْبَهُ مِنَ الْكَدَرِ فَصَفَا، وَسَلَكَ طَرِيقَ الْمُصْطَفَى، وَرَمَى الدُّنْيَا خَلْفَ الْقَفَا، وَأَذَاقَ الْهَوَى طَعْمَ الْجَفَا.
وَقَالَ أَيْضًا: الصُّوفِيُّ مَنْ صَفَا مِنَ الْكَدَرِ، وَخَلَصَ مِنَ الْغِيَرِ، وَامْتَلَأَ مِنَ الْفِكَرِ، وَتَسَاوَى عِنْدَهُ الذَّهَبُ وَالْمَدَرُ.
وَمِمَّا كَانَ يُنْشِدُهُ:
أَظَلَّتْ عَلَيْنَا مِنْكِ يَوْمًا سَحَابَةٌ ... أَضَاءَتْ لَنَا بَرْقًا وَأَبْطَا رَشَاشُهَا
فَلَا غَيْمُهَا يَجْلُو فَيَيْأَسَ طَامِعٌ ... وَلَا غَيْثُهَا يَأْتِي فَيَرْوَى عِطَاشُهَا
وَسُئِلَ: هَلْ يَتَحَقَّقُ الْعَارِفُ بِمَا يَبْدُو لَهُ مِنَ الْآثَارِ؟ فَقَالَ: كَيْفَ يَتَحَقَّقُ بِمَا لَا يَثْبُتُ؟ وَكَيْفَ يَطْمَئِنُّ إِلَى مَا لَا يَظْهَرُ؟ وَكَيْفَ يَأْنَسُ بِمَا يَخْفَى؟ فَهُوَ الظَّاهِرُ الْبَاطِنُ. ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
فَمَنْ كَانَ فِي طُولِ الْهَوَى ذَاقَ سَلْوَةً ... فَإِنِّي مَنْ لَيْلَى لَهَا غَيْرُ ذَائِقِ