كَثِيرِينَ، فَانْحَدَرَ تُوزُونُ مُسْرِعًا إِلَى وَاسِطٍ فَاقْتَتَلَ مَعَ مُعِزِّ الدَّوْلَةِ بِضْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَكَانَ آخِرَ الْأَمْرِ أَنِ انْهَزَمَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ، وَنُهِبَتْ حَوَاصِلُهُ، وَقُتِلَ مِنْ جَيْشِهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَأُسِرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَشْرَافِ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ عَاوَدَ تُوزُونَ مَا كَانَ يَعْتَرِيهِ مِنْ مَرَضِ الصَّرَعِ، فَشُغِلَ بِنَفْسِهِ، فَرَجَعَ إِلَى بَغْدَادَ.
وَفِيهَا قَتَلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيُّ أَخَاهُ أَبَا يُوسُفَ، وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَلَّ مَا فِي يَدِهِ مِنَ الْأَمْوَالِ، فَكَانَ يَسْتَقْرِضُ مِنْ أَخِيهِ أَبِي يُوسُفَ، فَيُقْرِضُهُ الْقَلِيلَ ثُمَّ يُشَنِّعُ عَلَيْهِ وَيَذُمُّ تَصَرُّفَهُ، فَمَالَ الْجُنْدُ إِلَى أَبِي يُوسُفَ، وَأَعْرَضُوا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، فَخَشِيَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَنْ يُبَايِعُوهُ وَيَتْرُكُوهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ طَائِفَةً مِنْ غِلْمَانِهِ فَقَتَلُوهُ غِيلَةً، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى دَارِهِ، وَأَخَذَ جَمِيعَ حَوَاصِلِهِ وَأَمْوَالِهِ فَكَانَ قِيمَةُ مَا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَمْوَالِ يُقَارِبُ ثَلَاثَةَ آلَافِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَلَمْ يُمَتَّعْ بَعْدَهُ إِلَّا ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ، مَرِضَ فِيهَا مَرَضًا شَدِيدًا بِالْحُمَّى الْحَادَّةِ، حَتَّى كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، فَقَامَ بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ أَخُوهُ أَبُو الْحُسَيْنِ، قَبَّحَهُ اللَّهُ، فَأَسَاءَ السِّيرَةَ فِي أَصْحَابِهِ، فَثَارُوا بِهِ فَلَجَأَ إِلَى الْقَرَامِطَةِ، فَاسْتَجَارَ بِهِمْ، فَقَامَ بِالْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيُّ فِي بِلَادِ وَاسِطٍ وَالْبَصْرَةِ وَتِلْكَ النَّوَاحِي مِنَ الْأَهْوَازِ وَغَيْرِهَا.
وَأَمَّا الْخَلِيفَةُ الْمُتَّقِي لِلَّهِ فَإِنَّهُ لَمَّا أَقَامَ عِنْدَ آلِ حَمْدَانَ بِالْمَوْصِلِ ظَهَرَ لَهُ مِنْهُمْ تَضَجُّرٌ، وَأَنَّهُمْ يَرْغَبُونَ فِي مُفَارَقَتِهِ، فَكَتَبَ إِلَى تُوزُونَ فِي الصُّلْحِ فَاجْتَمَعَ تُوزُونُ مَعَ الْقُضَاةِ وَالْأَعْيَانِ بِبَغْدَادَ، وَقَرَأُوا كِتَابَ الْخَلِيفَةِ، وَقَابَلَهُ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَحَلَفَ لَهُ وَوَضَعَ خَطَّهُ بِالْإِقْرَارِ لَهُ وَلِمَنْ مَعَهُ بِالْإِكْرَامِ وَالِاحْتِرَامِ