رَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ الدُّقِّيِّ، عَنِ الشَّيْخِ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: كُنْتُ أَطُوفُ بِجَبَلِ اللُّكَّامِ ; أَطْلُبُ الزُّهَّادَ، فَمَرَرْتُ بِرَجُلٍ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى صَخْرَةٍ مُطْرِقًا، فَقُلْتُ لَهُ: مَا تَصْنَعُ هَاهُنَا؟ فَقَالَ: أَنْظُرُ وَأَرْعَى. فَقُلْتُ لَهُ: لَا أَرَى بَيْنَ يَدَيْكَ إِلَّا الْحِجَارَةَ. فَقَالَ: أَنْظُرُ خَوَاطِرَ قَلْبِي، وَأَرْعَى أَوَامِرَ رَبِّي، وَبِحَقِّ الَّذِي أَظْهَرَكَ عَلَيَّ إِلَّا جُزْتَ عَنِّي. فَقُلْتُ لَهُ: كَلِّمْنِي بِشَيْءٍ أَنْتَفِعُ بِهِ حَتَّى أَمْضِيَ. فَقَالَ لِي: مَنْ لَزِمَ الْبَابَ أُثْبِتَ فِي الْخَدَمِ، وَمَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ الذُّنُوبِ أَكْثَرَ النَّدَمَ، وَمَنِ اسْتَغْنَى بِاللَّهِ أَمِنَ الْعَدَمَ. ثُمَّ تَرَكَنِي وَمَضَى.
وَعَنِ الشَّيْخِ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: مَكَثْتُ سِتَّةَ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ لَمْ آكُلْ وَلَمْ أَشْرَبْ، وَلَحِقَنِي عَطَشٌ عَظِيمٌ، فَجِئْتُ النَّهْرَ الَّذِي وَرَاءَ الْمَسْجِدِ، فَجَلَسْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْمَاءِ، فَتَذَكَّرْتُ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7] فَذَهَبَ عَنِّي الْعَطَشُ، فَمَكَثْتُ تَمَامَ الْعَشْرَةِ أَيَّامٍ.
وَعَنْهُ قَالَ: مَكَثْتُ مَرَّةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَمْ أَشْرَبْ مَاءً، فَلَقِيَنِي الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَيِّدٍ حَمْدَوَيْهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي وَأَدْخَلَنِي مَنْزِلَهُ، وَجَاءَنِي بِمَاءٍ، وَقَالَ لِي: اشْرَبْ، فَشَرِبْتُ، فَأَخَذَ فَضْلَتِي وَذَهَبَ إِلَى امْرَأَتِهِ، وَقَالَ لَهَا: اشْرَبِي فَضْلَ رَجُلٍ قَدْ مَكَثَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَمْ يَشْرَبِ الْمَاءَ. قَالَ أَبُو صَالِحٍ: وَلَمْ يَكُنِ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ مِنِّي أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.