التُّرْكُ، وَأَخْرَجُوهُمْ مِنْ بَغْدَادَ وَوَقَعَتِ الْحَرْبُ بَيْنَ الْعَامَّةِ وَالدَّيْلَمِ أَيْضًا.
وَفِي شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ اشْتَدَّ الْحَالُ أَيْضًا، وَنُهِبَتِ الْمَسَاكِنُ، وَكُبِسَ أَهْلُهَا لَيْلًا وَنَهَارًا، وَخَرَجَتِ الْجُنْدُ مِنْ أَصْحَابِ الْبَرِيدِيِّ، فَنَهَبُوا الْغَلَّاتِ مِنَ الْقُرَى وَالْحَيَوَانَاتِ، وَجَرَى ظُلْمٌ لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذَا ; لِيَعْلَمَ الظَّلَمَةُ أَنَّ أَخْبَارَهُمْ تُنْقَلُ وَتَبْقَى بَعْدَهُمْ عَلَى وَجْهِ الدَّهْرِ، فَرُبَّمَا تَرَكُوا الظُّلْمَ لِهَذَا إِنْ لَمْ يَتْرُكُوهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَدْ كَانَ الْخَلِيفَةُ أَرْسَلَ وَهُوَ بِبَغْدَادَ إِلَى نَاصِرِ الدَّوْلَةِ بْنِ حَمْدَانَ نَائِبِ الْمَوْصِلِ وَالْجَزِيرَةِ يَسْتَمِدُّهُ، وَيَسْتَجِيشُ بِهِ عَلَى الْبَرِيدِيِّ، فَأَرْسَلَ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ أَخَاهُ سَيْفَ الدَّوْلَةِ عَلِيًّا فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ، فَلَمَّا كَانَ بِتَكْرِيتَ إِذَا الْخَلِيفَةُ وَابْنُ رَائِقٍ قَدْ هَرَبَا، فَرَجَعَ مَعَهُمَا سَيْفُ الدَّوْلَةِ إِلَى أَخِيهِ، وَقَدَّمَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ لِلْخَلِيفَةِ الْمُتَّقِي لِلَّهِ خِدْمَةً عَظِيمَةً فِي مَسِيرِهِ هَذَا، وَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى الْمَوْصِلِ خَرَجَ عَنْهَا نَاصِرُ الدَّوْلَةِ، فَنَزَلَ شَرْقِيَّهَا، وَأَرْسَلَ التُّحَفَ وَالضِّيَافَاتِ، وَلَمْ يَجِئْ خَوْفًا مِنَ الْغَائِلَةِ مِنْ جِهَةِ ابْنِ رَائِقٍ نَائِبِ الْعِرَاقِ وَصَاحِبِ الشَّامِ فَأَرْسَلَ الْخَلِيفَةُ وَلَدَهُ أَبَا مَنْصُورٍ وَمَعَهُ ابْنُ رَائِقٍ لِلسَّلَامِ عَلَى نَاصِرِ الدَّوْلَةِ، فَأَمَرَ أَنْ يُنْثَرَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ عَلَى رَأْسِ وَلَدِ الْخَلِيفَةِ، وَجَلَسَا عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَامَا لِيَرْجِعَا، فَرَكِبَ ابْنُ الْخَلِيفَةِ، وَأَرَادَ ابْنُ رَائِقٍ أَنْ يَرْكَبَ مَعَهُ، فَقَالَ لَهُ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ: اجْلِسِ الْيَوْمَ عِنْدِي حَتَّى نُفَكِّرَ فِيمَا نَصْنَعُ