بَيْنَهُمْ سِرًّا، وَضَيَّقُوا عَلَى الْقَاهِرِ بِاللَّهِ فِي رِزْقِهِ وَمَنْ يَجْتَمِعُ بِهِ، وَأَرَادُوا الْقَبْضَ عَلَيْهِ سَرِيعًا، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْخَلِيفَةَ عَلَى يَدَيْ طَرِيفٍ السُّبْكَرِيِّ، فَسَعَى فِي الْقَبْضِ عَلَيْهِمْ، فَوَقَعَ فِي مَخَالِيبِهِ الْأَمِيرُ الْكَبِيرُ الْمُظَفَّرُ مُؤْنِسٌ الْخَادِمُ وَأَمَرَ بِحَبْسِهِ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ، وَالِاحْتِيَاطِ عَلَى دُورِهِ وَأَمْلَاكِهِ، وَكَانَتْ فِيهِ عَجَلَةٌ وَجُرْأَةٌ وَهَوَجٌ وَخَرَقٌ شَدِيدٌ، وَجَعَلَ فِي مَنْزِلَتِهِ - إِمْرَةِ الْأُمَرَاءِ وَرِيَاسَةِ الْجَيْشِ - طَرِيفًا السُّبْكَرِيَّ، وَقَدْ كَانَ أَحَدَ الْأُمَرَاءِ عِنْدَ مُؤْنِسٍ الْخَادِمِ قَبْلَ ذَلِكَ. وَقَبَضَ عَلَى يَلْبَقَ، وَاخْتَفَى وَلَدُهُ عَلِيُّ بْنُ يَلْبَقَ، وَكَذَا هَرَبَ الْوَزِيرُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ مُقْلَةَ، فَاسْتَوْزَرَ بَدَلَهُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ الْقَاسِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فِي مُسْتَهَلِّ شَعْبَانَ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَأَمَرَ بِتَحْرِيقِ دَارِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ مُقْلَةَ، وَوَقَعَ النَّهْبُ بِبَغْدَادَ، وَهَاجَتِ الْفِتْنَةُ، وَأَمَرَ الْقَاهِرُ بِأَنْ يُجْعَلَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ الْمُكْتَفِي بَيْنَ حَائِطَيْنِ، وَيُسَدَّ عَلَيْهِ بِالْآجُرِّ وَالْكِلْسِ وَهُوَ حَيٌّ، فَمَاتَ، وَأُرْسِلَ إِلَى الْمُخْتَفِينَ فَنَادَى: إِنَّ مَنْ أَخْفَاهُمْ خُرِّبَتْ دَارُهُ. فَوَقَعَ بِعَلِيِّ بْنِ يَلْبَقَ فَقَتَلَهُ، ذُبِحَ بَيْنَ يَدَيْهِ كَمَا تُذْبَحُ الشَّاةُ، فَأُخِذَ رَأْسُهُ فِي طَسْتٍ، وَدَخَلَ الْقَاهِرُ بِنَفْسِهِ عَلَى أَبِيهِ يَلْبَقَ، فَوَضَعَ الرَّأْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا رَآهُ بَكَى، وَأَخَذَ يُقَبِّلُهُ وَيَتَرَشَّفُهُ، فَأَمَرَ بِذَبْحِهِ أَيْضًا فَذُبِحَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّأْسَيْنِ فِي طَسْتَيْنِ، فَدَخَلَ بِهِمَا عَلَى مُؤْنِسٍ الْخَادِمِ فَلَمَّا رَآهُمَا تَشَهَّدَ وَلَعَنَ قَاتِلَهُمَا، فَقَالَ الْقَاهِرُ عِنْدَ ذَلِكَ: جُرُّوا بِرِجْلِ الْكَلْبِ. فَأُخِذَ فَذُبِحَ أَيْضًا، وَأُخِذَ رَأْسُهُ فَوُضِعَ فِي طَسْتٍ، وَطِيفَ بِالرُّءُوسِ فِي بَغْدَادَ وَنُودِيَ عَلَيْهِمْ: هَذَا جَزَاءُ مَنْ يَخُونُ الْإِمَامَ، وَيَسْعَى فِي الدَّوْلَةِ فَسَادًا. ثُمَّ أُعِيدَتِ الرُّءُوسُ إِلَى خَزَائِنِ السِّلَاحِ.