مِنْ بَغْدَادَ مُتَنَكِّرًا، فَدَخَلَ الْمَوْصِلَ ثُمَّ صَارَ إِلَى أَرْمِينِيَةَ ثُمَّ لَحِقَ بِمَدِينَةِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ فَتَنَصَّرَ مَعَ أَهْلِهَا، لَعَنَهُ اللَّهُ وَإِيَّاهُمْ. وَأَمَّا مُؤْنِسٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَاطِنِ عَلَى الْمُقْتَدِرِ وَإِنَّمَا وَافَقَ جَمَاعَةَ الْأُمَرَاءِ مُكْرَهًا، وَلِهَذَا لَمَّا أُودِعَ الْمُقْتَدِرُ فِي دَارِهِ لَمْ يَنَلْهُ مِنْهُ سُوءٌ، بَلْ كَانَ يُطَيِّبُ قَلْبَهُ، وَلَوْ شَاءَ لَقَتَلَهُ لَمَّا طُلِبَ مِنْ دَارِهِ، فَلِهَذَا لَمَّا عَادَ إِلَى الْخِلَافَةِ رَجَعَ إِلَى دَارِ مُؤْنِسٍ، فَبَاتَ بِهَا عِنْدَهُ لِثِقَتِهِ بِهِ. وَقَرَّرَ أَبَا عَلِيِّ بْنَ مُقْلَةَ عَلَى الْوِزَارَةِ، وَوَلَّى مُحَمَّدَ بْنَ يُوسُفَ أَبَا عُمَرَ قَضَاءَ الْقُضَاةِ، وَجَعَلَ مُحَمَّدًا أَخَاهُ - وَهُوَ الْقَاهِرُ بِاللَّهِ - عِنْدَ وَالِدَتِهِ بِصِفَةِ مُحْتَبَسٍ عِنْدَهَا، فَكَانَتْ تُحْسِنُ إِلَيْهِ غَايَةَ الْإِحْسَانِ، وَتَشْتَرِي لَهُ السَّرَارِي وَتُكْرِمُهُ غَايَةَ الْإِكْرَامِ.
ذِكْرُ أَخْذِ الْقَرَامِطَةِ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ إِلَى بِلَادِهِمْ، وَمَا كَانَ مِنْهُمْ إِلَى الْحَجِيجِ، لَعَنَ اللَّهُ الْقَرَامِطَةَ
فِيهَا خَرَجَ رَكْبُ الْعِرَاقِ وَأَمِيرُهُمْ مَنْصُورٌ الدَّيْلَمِيُّ، فَوَصَلُوا إِلَى مَكَّةَ سَالِمِينَ، وَتَوَافَتِ الرُّكُوبُ هُنَاكَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَمَا شَعَرُوا إِلَّا بِالْقِرْمِطِيِّ قَدْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ فِي جَمَاعَتِهِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، فَانْتَهَبَ أَمْوَالَهُمْ، وَاسْتَبَاحَ قِتَالَهُمْ، فَقَتَلَ النَّاسَ فِي رِحَابِ مَكَّةَ وَشِعَابِهَا حَتَّى فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَفِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، وَجَلَسَ أَمِيرُهُمْ أَبُو طَاهِرٍ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْجَنَّابِيُّ - لَعَنَهُ اللَّهُ - عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ، وَالرِّجَالُ تُصْرَعُ حَوْلَهُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، ثُمَّ فِي يَوْمِ التَّرْوِيَةِ، الَّذِي هُوَ مِنْ أَشْرَفِ الْأَيَّامِ، وَهُوَ