فِيهَا عَاثَ الْقِرْمِطِيُّ - لَعَنَهُ اللَّهُ، وَهُوَ أَبُو طَاهِرٍ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْجَنَّابِيُّ - فِي الْأَرْضِ فَسَادًا، حَاصَرَ الرَّحْبَةَ، فَدَخَلَهَا قَهْرًا، وَقَتَلَ مِنْ أَهْلِهَا خَلْقًا كَثِيرًا، وَطَلَبَ مِنْهُ أَهْلُ قِرْقِيسِيَا الْأَمَانَ فَأَمَّنَهُمْ، وَبَعَثَ سَرَايَا إِلَى مَا حَوْلَهَا مِنَ الْأَعْرَابِ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا أَيْضًا، حَتَّى صَارَ النَّاسُ إِذَا سَمِعُوا بِذِكْرِهِ يَهْرُبُونَ مِنْ سَمَاعِ اسْمِهِ، وَقَرَّرَ عَلَى الْأَعْرَابِ إِتَاوَةً يَحْمِلُونَهَا إِلَى هَجَرَ فِي كُلِّ سَنَةٍ، عَنْ كُلِّ رَأْسٍ دِينَارَانِ، وَعَاثَ فِي نُوَاحِي الْمَوْصِلِ وَسِنْجَارَ وَتِلْكَ الدِّيَارِ، وَقَتَلَ وَسَلَبَ وَنَهَبَ، فَقَصَدَهُ مُؤْنِسٌ الْخَادِمُ فَلَمْ يَتَوَاجَهَا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ فَابْتَنَى بِهَا دَارًا سَمَّاهَا دَارَ الْهِجْرَةِ، وَدَعَا إِلَى الْمَهْدِيِّ الَّذِي بِبِلَادِ الْمَغْرِبِ بَانِي الْمَهْدِيَّةِ وَتَفَاقَمَ أَمَرُهُ، وَكَثُرَ أَتْبَاعُهُ، وَصَارُوا يَكْبِسُونَ الْقَرْيَةَ مِنْ أَرْضِ السَّوَادِ، فَيَقْتُلُونَ أَهْلَهَا، وَيَنْهَبُونَ أَمْوَالَهَا، وَرَامَ فِي نَفْسِهِ دُخُولَ الْكُوفَةِ وَأَخْذَهَا، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ وَعَصَمَهَا اللَّهُ مِنْهُ. وَلَمَّا رَأَى الْوَزِيرُ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى مَا يَفْعَلُ هَذَا الْهَجَرِيُّ الْقِرْمِطِيُّ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَالْخَلِيفَةُ وَجَيْشُهُ ضُعَفَاءُ عَنْ مُقَاوَمَتِهِ، اسْتَعْفَى مِنَ الْوِزَارَةِ وَعَزَلَ نَفْسَهُ عَنْهَا، فَسَعَى فِيهَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ مُقْلَةَ الْكَاتِبُ الْمَشْهُورُ، فَوَلِيَهَا بِسِفَارَةِ نَصْرٍ