الظَّاهِرِيِّ كَانَ عَالِمًا بَارِعًا أَدِيبًا شَاعِرًا فَقِيهًا مَاهِرًا، وَهُوَ مُصَنِّفُ كِتَابِ " الزُّهَرَةِ " اشْتَغَلَ عَلَى أَبِيهِ وَتَبِعَهُ فِي مَذْهَبِهِ وَمَا كَانَ يَسْلُكُهُ يَخْتَارُهُ مِنَ الطَّرِيقِ وَيَرْتَضِيهِ، وَكَانَ أَبُوهُ يُحِبُّهُ وَيُقَرِّبُهُ وَيُدْنِيهِ.
قَالَ رُوَيْمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: كُنَّا يَوْمًا عِنْدَ دَاوُدَ إِذْ دَخَلَ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ بَاكِيًا، فَقَالَ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ الصِّبْيَانَ يُلَقِّبُونَنِي عُصْفُورَ الشَّوْكِ، فَضَحِكَ أَبُوهُ فَاشْتَدَّ غَضَبُ وَلَدِهِ، وَقَالَ: أَنْتَ أَضَرُّ عَلَيَّ مِنْهُمْ، فَضَمَّهُ أَبَوْهُ إِلَيْهِ، وَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مَا الْأَلْقَابُ إِلَّا مِنَ السَّمَاءِ مَا أَنْتَ يَا بُنَيَّ إِلَّا عُصْفُورُ الشَّوْكِ.
وَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُوهُ أُجْلِسَ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ هَذَا فِي مَكَانِهِ فِي الْحَلْقَةِ فَاسْتَصْغَرَهُ النَّاسُ عَنْ ذَلِكَ، فَسَأَلَهُ سَائِلٌ يَوْمًا عَنْ حَدِّ السُّكْرِ فَقَالَ: إِذَا عَزَبَتْ عَنْهُ الْهُمُومُ وَبَاحَ بِسِرِّهِ الْمَكْتُومِ. فَاسْتُحْسِنَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَعَظُمَ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " الْمُنْتَظَمِ ": وَقَدِ ابْتُلِيَ بِحُبِّ صَبِيٍّ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَامِعٍ وَيُقَالُ مُحَمَّدُ بْنُ زُخْرُفٍ، فَاسْتَعْمَلَ الْعَفَافَ وَالدِّينَ فِي حُبِّهِ، وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبَهُ فِيهِ حَتَّى كَانَ سَبَبُ وَفَاتِهِ فِي ذَلِكَ.
قُلْتُ: فَدَخَلَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا عَنْهُ: