رُوحَانِ لِي رُوحٌ تَضَمَّنَهَا ... بَلَدٌ وَأُخْرَى حَازَهَا بَلَدُ
وَأَرَى الْمُقِيمَةَ لَيْسَ يَنْفَعُهَا ... صَبْرٌ وَلَا يَقْوَى لَهَا جَلَدُ
وَأَظُنُّ غَائِبَتِي كَشَاهِدَتِي ... بِمَكَانِهَا تَجِدُ الَّذِي أَجِدُ
قَالَ الْمُبَرِّدُ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَظَرِيفٌ فَزِدْنَا مِنْهُ. فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
لَمَّا أَنَاخُوا قُبَيْلَ الصُّبْحِ عِيرَهُمُ ... وَرَحَّلُوهَا فَثَارَتْ بِالْهَوَى الْإِبِلُ
وَأَبْرَزَتْ مِنْ خِلَالِ السِّجْفِ نَاظِرَهَا ... تَرْنُو إِلَيَّ وَدَمْعُ الْعَيْنِ يَنْهَمِلُ
وَوَدَّعَتْ بِبَنَانٍ عَقْدُهُ عَنَمٌ ... نَادَيْتُ لَا حَمَلَتْ رِجْلَاكَ يَا جَمَلُ
وَيْلِي مِنَ الْبَيِنِ مَاذَا حَلَّ بِي وَبِهِمْ ... مِنْ نَازِلِ الْبَيْنِ حَانَ الْبَيْنُ وَارْتَحَلُوا
يَا رَاحِلَ الْعِيسِ عَجِّلْ كَيْ أُوَدِّعَهُمْ ... يَا رَاحِلَ الْعِيسِ فِي تَرْحَالِكَ الْأَجَلُ
إِنِّي عَلَى الْعَهْدِ لَمْ أَنْقُضْ مَوَدَّتَهُمْ ... فَلَيْتَ شِعْرِي لِطُولِ الْعَهْدِ مَا فَعَلُوا
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْبُغَضَاءِ الَّذِينَ مَعِي: مَاتُوا، فَقَالَ الشَّابُّ: إِذًا أَمُوتُ، فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ، فَتَمَطَّى وَاسْتَنَدَ إِلَى سَارِيَةٍ عِنْدَهُ وَمَاتَ وَمَا بَرِحْنَا حَتَّى دَفَنَّاهُ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَمَاتَ الْمُبَرِّدُ وَقَدْ جَاوَزَ السَّبْعِينَ.