ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ
فِي الْمُحَرَّمِ مِنْهَا قَتَلَ الْمُعْتَضِدُ رَجُلًا مِنْ أُمَرَاءِ الزَّنْجِ كَانَ قَدْ لَجَأَ إِلَيْهِ بِالْأَمَانِ وَيُعْرَفُ بِشَيْلَمَةَ ذُكِرَ لَهُ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو إِلَى رَجُلٍ لَا يُعْرَفُ مَنْ هُوَ وَقَدْ أَفْسَدَ جَمَاعَةً فَاسْتَدْعَى بِهِ فَقَرَّرَهُ فَلَمْ يُقِرَّ، وَقَالَ: لَوْ كَانَ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَا أَقْرَرْتُ بِهِ. فَأَمَرَ بِهِ فَشُدَّ عَلَى عَمُودِ خَيْمَةٍ ثُمَّ لَوَّحَهُ عَلَى النَّارِ حَتَّى تَسَاقَطَ جِلْدُهُ عَنْ عِظَامِهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ وَصَلْبِهِ لِسَبْعٍ خَلَوْنَ مِنَ الْمُحَرَّمِ. وَفِي أَوَّلِ صَفَرٍ رَكِبَ الْمُعْتَضِدُ بِاللَّهِ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الْمُوَفَّقِ مِنْ بَغْدَادَ قَاصِدًا بَنِي شَيْبَانَ مِنْ أَرْضِ الْمَوْصِلِ فَأَوْقَعَ بِهِمْ بَأْسًا شَدِيدًا عِنْدَ جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ تَوْبَاذُ. وَكَانَ مَعَ الْمُعْتَضِدِ حَادٍ جَيِّدُ الْحُدَاءِ فَقَالَ فِي تِلْكَ اللَّيَالِي يَحْدُو لِلْمُعْتَضِدِ:
فَأَجْهَشْتُ لَلتَّوْبَاذِ حِينَ رَأَيْتُهُ ... وَهَلَّلْتُ لِلّرَّحْمَنِ حِينَ رَآنِي
وَقُلْتُ لَهُ أَيْنَ الَّذِينَ عَهِدْتَهُمْ ... بِظِلِّكَ فِي أَمْنٍ وَلِينِ زَمَانِي
فَقَالَ مَضَوْا وَاسْتَخْلَفُونِي مَكَانَهُمْ ... وَمَنْ ذَا الَّذِي يَبْقَى عَلَى الْحَدَثَانِ
قَالَ: فَتَغَرْغَرَتْ عَيْنَا الْمُعْتَضِدِ، وَقَالَ: مَنْ ذَا الَّذِي يَبْقَى عَلَى الْحَدَثَانِ.