وَالْحَلُّ وَالْوِلَايَةُ وَالْعَزْلُ، وَإِلَيْهِ يُجْبَى الْخَرَاجُ. وَكَانَ يُخْطَبُ لَهُ عَلَى الْمَنَابِرِ، فَيُقَالُ: اللَّهُمَّ أَصْلِحِ الْأَمِيرَ النَّاصِرَ لِدِينِ اللَّهِ أَبَا أَحْمَدَ الْمُوَفَّقَ بِاللَّهِ وَلِيَّ عَهْدِ الْمُسْلِمِينَ أَخَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. ثُمَّ اتَّفَقَ مَوْتُهُ قَبْلَ أَخِيهِ الْمُعْتَمِدِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ. وَكَانَ غَزِيرَ الْعَقْلِ حَسَنَ التَّدْبِيرِ كَرِيمًا جَوَادًا مُمَدَّحًا شُجَاعًا مِقْدَامًا رَئِيسًا، حَسَنَ الْمُحَادَثَةِ وَالْمُجَالَسَةِ عَادِلًا حَسَنَ السِّيرَةِ، يَجْلِسُ لِلْمَظَالِمِ وَعِنْدَهُ الْقُضَاةُ فَيُنْصِفُ الْمَظْلُومَ مِنَ الظَّالِمِ، وَكَانَ عَالِمًا بِالْأَدَبِ وَالنَّسَبِ وَالْفِقْهِ وَسِيَاسَةِ الْمُلْكِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَهُ مَحَاسِنُ وَمَآثِرُ كَثِيرَةٌ جِدًّا.
وَكَانَ سَبَبَ مَوْتِهِ أَنَّهُ أَصَابَهُ مَرَضُ النِّقْرِسِ فِي السَّفَرِ، ثُمَّ قَدِمَ إِلَى بَغْدَادَ وَهُوَ عَلِيلٌ فَاسْتَقَرَّ فِي دَارِهِ فِي أَوَائِلِ صَفَرٍ، وَقَدْ تَزَايَدَ بِهِ الْمَرَضُ وَتَوَرَّمَتْ رِجْلُهُ حَتَّى عَظُمَتْ جَدًّا، وَكَانَ يُوضَعُ عَلَيْهَا الْأَشْيَاءُ الْمُبَرِّدَةُ كَالثَّلْجِ وَنَحْوِهِ، وَكَانَ يَحْمِلُ سَرِيرَهُ أَرْبَعُونَ رَجُلًا بِالنَّوْبَةِ، عِشْرُونَ عِشْرُونَ. فَقَالَ لَهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ: مَا أَظُنُّكُمْ إِلَّا قَدْ مَلِلْتُمْ مِنِّي فَيَا لَيْتَنِي كَوَاحِدٍ مِنْكُمْ آكُلُ كَمَا تَأْكُلُونَ، وَأَشْرَبُ كَمَا تَشْرَبُونَ وَأَرْقُدُ كَمَا تَرْقُدُونَ، فِي عَافِيَةٍ. وَقَالَ أَيْضًا: فِي دِيوَانِي مِائَةُ أَلْفِ مُرْتَزِقٍ لَيْسَ فِيهِمْ أَسْوَأُ حَالًا مِنِّي. ثُمَّ كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي الْقَصْرِ الْحُسَيْنِيِّ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْ صَفَرٍ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَلَهُ سَبْعٌ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً تَنْقُصُ شَهْرًا وَأَيَّامًا.
وَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو أَحْمَدَ الْمُوَفَّقُ، اجْتَمَعَ الْأُمَرَاءُ عَلَى أَخْذِ الْبَيْعَةِ بِوِلَايَةِ الْعَهْدِ مِنْ بَعْدِهِ لِوَلَدِهِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ، فَبَايَعَ لَهُ الْمُعْتَمِدُ بِوِلَايَةِ الْعَهْدِ بَعْدَ ابْنِهِ