ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ
فِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الْإِثْنَيْنِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنَ الْمُحَرَّمِ قَدِمَ مُوسَى بْنُ بُغَا الْكَبِيرِ إِلَى سَامَرَّا فَدَخَلَهَا فِي جَيْشٍ هَائِلٍ قَدْ عَبَّاهُ مَيْمَنَةً وَمَيْسَرَةً وَقَلْبًا وَجَنَاحَيْنِ فَقَصَدَ دَارَ الْخِلَافَةِ الَّتِي فِيهَا الْمُهْتَدِي جَالِسٌ لِلْعَامَّةِ لِكَشْفِ الْمَظَالِمِ وَاسْتَأْذَنُوا عَلَيْهِ فَتَمَادَى الْإِذْنُ سَاعَةً وَتَأَخَّرَ عَنْهُمْ فَظَنُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ أَنَّ الْخَلِيفَةَ إِنَّمَا طَلَبَهُمْ خَدِيعَةً مِنْهُ لِيُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ صَالِحَ بْنَ وَصِيفٍ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ هَجْمًا فَجَعَلُوا يُرَاطِنُونَهُمْ بِالتُّرْكِيِّ ثُمَّ عَزَمُوا فَأَقَامُوهُ مِنْ مَجْلِسِهِ وَانْتَهَبُوا مَا كَانَ فِيهِ ثُمَّ أَخَذُوهُ مُهَانًا إِلَى دَارٍ أُخْرَى فَجَعَلَ يَقُولُ لِمُوسَى بْنِ بُغَا: مَا لَكَ وَيْحَكَ؟! إِنَّى إِنَّمَا أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ لِأَتَقَوَّى بِكَ عَلَى صَالِحِ بْنِ وَصِيفٍ فَقَالَ: لَا بَأْسَ عَلَيْكَ احْلِفْ لِي أَنَّكَ لَا تُرِيدُ بِي خِلَافَ مَا أَظْهَرْتَ، فَحَلَفَ لَهُ الْخَلِيفَةُ فَطَابَتْ أَنْفُسُهُمْ وَبَايَعُوهُ بَيْعَةً ثَانِيَةً مُشَافَهَةً وَأَخَذُوا عَلَيْهِ الْعُهُودَ وَالْمَوَاثِيقَ أَنْ لَا يُمَالِئَ صَالِحًا عَلَيْهِمْ وَاصْطَلَحُوا عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ بَعَثُوا إِلَى صَالِحِ بْنِ وَصِيفٍ لِيَحْضُرَهُمْ لِلْمُنَاظَرَةِ فِي أَمْرِ الْمُعْتَزِّ، وَمَنْ قَتَلَهُ صَالِحُ بْنُ وَصِيفٍ مِنَ الْكُتَّابِ وَغَيْرِهِمْ، فَوَعَدَهُمْ أَنْ يَأْتِيَهُمْ ثُمَّ اجْتَمَعَ بِجَمَاعَةٍ مِنَ الْأُمَرَاءِ مِنْ أَصْحَابِهِ وَأَخَذَ يَتَأَهَّبُ لِجَمْعِ الْجُيُوشِ عَلَيْهِمْ ثُمَّ اخْتَفَى مِنْ لَيْلَتِهِ لَا يَدْرِي أَحَدٌ أَيْنَ ذَهَبَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَبَعَثُوا الْمُنَادِيَةَ تُنَادِي عَلَيْهِ فِي أَرْجَاءِ الْبَلَدِ وَتُهَدِّدُ مَنْ أَخْفَاهُ فَلَمْ يَزَلْ فِي خَفَاءٍ إِلَى أَوَاخِرَ صَفَرٍ عَلَى مَا