ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ
فِيهَا أَمَرَ الْمُتَوَكِّلُ بِبِنَاءِ مَدِينَةِ الْمَاحُوزَةِ وَحَفْرِ نَهْرٍ لَهَا، فَيُقَالُ: إِنَّهُ أَنْفَقَ عَلَى بِنَائِهَا وَبِنَاءِ قَصْرٍ لِلْخِلَافَةِ فِيهَا يُقَالُ لَهُ: اللُّؤْلُؤَةُ. أَلْفَيْ أَلْفِ دِينَارٍ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ وَقَعَتْ زَلَازِلُ كَثِيرَةٌ فِي بِلَادٍ شَتَّى، فَمِنْ ذَلِكَ بِمَدِينَةِ أَنْطَاكِيَةَ بِحَيْثُ سَقَطَ فِيهَا أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةِ دَارٍ، وَانْهَدَمَ مِنْ سُورِهَا نَيِّفٌ وَتِسْعُونَ بُرْجًا، وَسُمِعَتْ مَنْ كُوَى دُورِهَا أَصْوَاتٌ مُزْعِجَةٌ جِدًّا، فَخَرَجُوا مِنْ مَنَازِلِهِمْ سِرَاعًا يُهْرَعُونَ، وَسَقَطَ الْجَبَلُ الَّذِي إِلَى جَانِبِهَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْأَقْرَعُ، فَسَاخَ فِي الْبَحْرِ، فَهَاجَ الْبَحْرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَارْتَفَعَ مِنْهُ دُخَانٌ أَسْوَدُ مُظْلِمٌ مُنْتِنٌ، وَغَارَ نَهْرٌ عَلَى فَرْسَخٍ مِنْهَا، فَلَا يُدْرَى أَيْنَ ذَهَبَ. ذَكَرَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: وَسَمِعَ فِيهَا أَهْلُ تِنِّيسَ ضَجَّةً دَائِمَةً طَوِيلَةً مَاتَ مِنْهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ. قَالَ: وَزُلْزِلَتْ فِيهَا بَالِسُ وَالرَّقَّةُ وَحَرَّانُ وَرَأْسُ الْعَيْنِ وَحِمْصُ وَدِمَشْقُ وَالرُّهَاُ وَطَرَسُوسُ وَالْمِصِّيصَةُ، وَأَذَنَةُ، وَسَوَاحِلُ الشَّامِ وَرَجَفَتِ اللَّاذِقِيَّةُ فَمَا بَقِيَ