وَقَوْلُهُ: {وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ} [سبأ: 12] أَيْ: وَسَخَّرَ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْجِنِّ عُمَّالًا يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ، لَا يَفْتُرُونَ وَلَا يَخْرُجُونَ عَنْ طَاعَتِهِ، وَمَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ عَنِ الْأَمْرِ عَذَّبَهُ وَنَكَّلَ بِهِ. {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ} [سبأ: 13] وَهِيَ الْأَمَاكِنُ الْحَسَنَةُ وَصُدُورُ الْمَجَالِسِ. {وَتَمَاثِيلَ} [سبأ: 13] وَهِيَ الصُّوَرُ فِي الْجُدْرَانِ، وَكَانَ هَذَا سَائِغًا فِي شَرِيعَتِهِمْ وَمِلَّتِهِمْ. {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ} [سبأ: 13] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْجَفْنَةُ كَالْجَوْبَةِ مِنَ الْأَرْضِ. وَعَنْهُ: كَالْحِيَاضِ. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَغَيْرُهُمْ. وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَكُونُ (الْجَوَابُ) : جَمْعُ جَابِيَةٍ ; وَهِيَ الْحَوْضُ الَّذِي يُجْبَى فِيهِ الْمَاءُ، كَمَا قَالَ الْأَعْشَى:
نَفَى الذَّمَّ عَنْ آلِ الْمُحَلَّقِ جَفْنَةٌ ... كَجَابِيَةِ السَّيْحِ الْعِرَاقِيِّ تَفْهَقُ
وَأَمَّا الْقُدُورُ الرَّاسِيَاتُ، فَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَثَافِيُّهَا مِنْهَا. يَعْنِي أَنَّهُنَّ ثَوَابِتُ لَا يَزُلْنَ عَنْ أَمَاكِنِهِنَّ. وَهَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ. وَلَمَّا كَانَ هَذَا بِصَدَدِ إِطْعَامِ الطَّعَامِ، وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْخَلْقِ مِنْ إِنْسٍ وَجَانٍّ، قَالَ تَعَالَى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13] وَقَالَ تَعَالَى: {وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} [ص: 37]
[ص: 37، 38] . يَعْنِي أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَدْ سَخَّرَهُ فِي الْبِنَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْمُرُهُ بِالْغَوْصِ فِي الْمَاءِ لِاسْتِخْرَاجِ مَا هُنَالِكَ مِنَ