فَقَالَ لِلْكَاتِبِ: اكْتُبْ: قَدْ قَرَأْتُ كِتَابَكَ، وَسَمِعْتُ خِطَابَكَ، وَالْجَوَابُ مَا تَرَى لَا مَا تَسْمَعُ، " وَسَيَعْلَمُ الْكَافِرُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ ".
قَالَ الْخَطِيبُ: غَزَا الْمُعْتَصِمُ بِلَادَ الرُّومِ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ، فَأَنْكَى نِكَايَةً عَظِيمَةً فِي الْعَدُوِّ، وَنَصَبَ عَلَى عَمُّورِيَةَ الْمَجَانِيقَ، وَأَقَامَ عَلَيْهَا حَتَّى فَتَحَهَا وَدَخَلَهَا فَقَتَلَ فِيهَا ثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَسَبَى مِثْلَهُمْ، وَكَانَ فِي سَبْيِهِ سِتُّونَ بِطْرِيقًا، وَطَرَحَ النَّارَ فِي عَمُّورِيَةَ مِنْ سَائِرِ نَوَاحِيهَا فَأَحْرَقَهَا وَجَاءَ بِبَابِهَا إِلَى الْعِرَاقِ وَهُوَ بَاقٍ حَتَّى الْآنَ مَنْصُوبٌ عَلَى أَحَدِ أَبْوَابِ دَارِ الْخِلَافَةِ مِمَّا يَلِي الْمَسْجِدَ الْجَامِعَ فِي الْقَصْرِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي دَاوُدَ الْقَاضِي، أَنَّهُ قَالَ: رُبَّمَا أَخْرَجَ الْمُعْتَصِمُ سَاعِدَهُ إِلَيَّ، وَقَالَ لِي: عَضَّ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بِكُلِّ مَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ. فَأَقُولُ: إِنَّهُ لَا تَطِيبُ نَفْسِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَيَقُولُ: إِنَّهُ لَا يَضُرُّنِي. فَأَكْدُمُ بِكُلِّ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ فَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي يَدِهِ.
قَالَ: وَمَرَّ يَوْمًا فِي خِلَافَةِ أَخِيهِ بِمُخَيَّمِ الْجُنْدِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَقُولُ: ابْنِي ابْنِي.