كَانَ. فَلَمَّا وَقَفَ الْمُعْتَصِمُ عَلَى ذَلِكَ أَمَرَ بِالْغُلَامَيْنِ، فَخَلَعَ عَلَيْهِمَا، وَأَنْ يُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِدُرَّةٍ، فَأَسْلَمَا مِنْ فَوْرِهِمَا، فَأَمَرَ الْخَلِيفَةُ أَنْ يُطَافَ بِهِمَا حَوْلَ الْبَلَدِ، وَعَلَيْهِمَا الْخُلَعُ، وَأَنْ يُوقَفَا تَحْتَ الْحِصْنِ الَّذِي فِيهِ يَاطَسُ، فَيُنْثَرَ عَلَيْهِمَا الدَّرَاهِمُ وَالْخُلَعُ، وَمَعَهُمَا الْكِتَابُ الَّذِي كَتَبَ بِهِ يَاطَسُ مَعَهُمَا إِلَى مَلِكِ الرُّومِ، فَجَعَلَتْ الرُّومُ تَلْعَنُهُمَا وَتَسُبُّهُمَا. ثُمَّ أَمَرَ الْمُعْتَصِمُ عِنْدَ ذَلِكَ بِتَجْدِيدِ الْحَرَسِ وَالِاحْتِفَاظِ فِيهِ مِنْ خُرُوجِ الرُّومِ بَغْتَةً، فَضَاقَتْ الرُّومُ ذَرْعًا بِذَلِكَ، وَأَلَحَّ عَلَيْهِمُ الْمُسْلِمُونَ فِي الْحِصَارِ، وَقَدْ أَعَدَّ الْمُعْتَصِمُ عَلَيْهَا الْمَجَانِيقَ الْكَثِيرَةَ وَالدَّبَّابَاتِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ. وَلَمَّا رَأَى الْمُعْتَصِمُ عُمْقَ خَنْدَقِهَا، وَارْتِفَاعَ سُورِهَا عَمِلَ الْمَجَانِيقَ فِي مُقَاوَمَةِ سُورِهَا، وَكَانَ قَدْ غَنِمَ فِي الطَّرِيقِ غَنَمًا كَثِيرًا جِدًّا فَفَرَّقَهَا فِي النَّاسِ، وَقَالَ: لِيَأْكُلِ الرَّجُلُ الرَّأْسَ، وَلْيَجِىءْ بِمِلْءِ جِلْدِهِ تُرَابًا فَيَطْرَحُهُ فِي الْخَنْدَقِ. فَفَعَلَ النَّاسُ ذَلِكَ، فَتَسَاوَى الْخَنْدَقُ بِوَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ كَثْرَةِ مَا طُرِحَ فِيهِ مِنَ الْأَغْنَامِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالتُّرَابِ، فَوُضِعَ فَوْقَ ذَلِكَ حَتَّى صَارَ طَرِيقًا مُمَهَّدًا، وَأَمَرَ بِالدَّبَّابَاتِ أَنْ تُوضَعَ فَوْقَهُ، فَلَمْ يُحْوِجِ اللَّهُ إِلَى ذَلِكَ، وَبَيْنَمَا النَّاسُ فِي الْحَرَسِ إِذْ هَدَمَ الْمَنْجَنِيقُ ذَلِكَ