طَلَبَهَا مِنَ الْخَلِيفَةِ غَيْرَ مَرَّةٍ، فَإِذَا سَمَحَ لَهُ بِهَا لَا تُرِيدُهُ الْجَارِيَةُ، وَتَقُولُ لِلْخَلِيفَةِ: أَتُعْطِينِي لِرَجُلٍ دَمِيمِ الْخَلْقِ كَانَ يَبِيعُ الْجِرَارَ؟ فَكَانَ يُكْثِرُ التَّغَزُّلَ فِيهَا، وَشَاعَ أَمْرُهُ وَاشْتُهِرَ بِهَا، وَكَانَ الْمَهْدِيُّ يَفْهَمُ ذَلِكَ مِنْهُ.
وَقَدِ اتَّفَقَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ أَنَّ الْخَلِيفَةَ الْمَهْدِيَّ اسْتَدْعَى الشُّعَرَاءَ إِلَى مَجْلِسِهِ فَاجْتَمَعُوا، وَكَانَ فِيهِمْ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ وَبَشَّارُ بْنُ بُرْدٍ الْأَعْمَى، فَسَمِعَ صَوْتَ أَبِي الْعَتَاهِيَةِ، فَقَالَ بَشَّارٌ لِجَلِيسِهِ: أَثَمَّ هَاهُنَا أَبُو الْعَتَاهِيَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَوَجِمَ لَهَا بَشَّارٌ، ثُمَّ اسْتَنْشَدَ الْمَهْدِيُّ أَبَا الْعَتَاهِيَةِ. فَانْطَلَقَ يُنْشِدُهُ قَصِيدَتَهُ فِيهَا، الَّتِي أَوَّلُهَا:
أَلَا مَا لِسَيِّدَتِي مَا لَهَا ... أَدَلَّتْ فَأَحْمِلَ إِدْلَالَاهَا
فَقَالَ بَشَّارٌ لِجَلِيسِهِ: مَا رَأَيْتُ أَجْسَرَ مِنْ هَذَا. حَتَّى انْتَهَى أَبُو الْعَتَاهِيَةِ إِلَى قَوْلِهِ:
أَتَتْهُ الْخِلَافَةُ مُنْقَادَةً ... إِلَيهِ تُجَرِّرُ أَذْيَالَهَا
فَلَمْ تَكُ تَصْلُحُ إِلَّا لَهُ ... وَلَمْ يَكُ يَصْلُحُ إِلَّا لَهَا
وَلَوْ رَامَهَا أَحَدٌ غَيْرُهُ ... لَزُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا