نَمَّتْ عَلَيْهِ عِدَاتُهُ
كَذِبًا فَعَاقَبَهُ أَمِيرُهْ
ثُمَّ عَادَ فَقَالَ:
ذَهَبْتُ مِنَ الدُّنْيَا وَقَدْ ذَهَبَتْ مِنِّى ... لَوَى الدَّهْرُ بِي عَنْهَا وَوَلَّى بِهَا عَنِّي
فِإِنْ أَبْكِ نَفْسِي أَبْكِ نَفْسًا عَزِيزَةً ... وَإِنْ أَحْتَقِرْهَا أَحْتَقِرْهَا عَلَى ضَنِّ
وَإِنِّي وَإِنْ كُنْتُ الْمُسِيءَ بِعَيْنِهِ ... بِرَبِّي تَعَالَى جَدُّهُ حَسَنُ الظَّنِّ
عَدَوْتُ عَلَى نَفْسِي فَعَادَ بِعَفْوِهِ ... عَلَيَّ فَعَادَ الْعَفْوُ مَنًّا عَلَى مَنِّ
فَقَالَ الْمَأْمُونُ: أَحْسَنْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَقًّا. فَرَمَى بِالْعُودِ مِنْ حِجْرِهِ، وَوَثَبَ قَائِمًا فَزِعًا مِنْ هَذَا الْكَلَامِ، فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُونُ: اقْعُدْ وَاسْكُنْ، مَرْحَبًا بِكَ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِشَيْءٍ تَتَوَهَّمُهُ، وَوَاللَّهِ لَا رَأَيْتَ طُولَ أَيَّامِي شَيْئًا تَكْرَهُهُ، وَتَغْتَمُّ بِهِ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِرَدِّ جَمِيعِ مَا كَانَ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالضِّيَاعِ وَالدُّورِ، فَرُدَّتْ إِلَيْهِ، وَأَمَرَ لَهُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِينَارٍ وَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ مُكْرَمًا مُعَظَّمًا.