فَسَلَّمَهُ إِلَى ذِي الرِّيَاسَتَيْنِ، فَدَخَلَ بِهِ عَلَى الْمَأْمُونِ عَلَى تُرْسٍ، فَلَمَّا رَآهُ سَجَدَ وَأَمَرَ لِمَنْ جَاءَ بِهِ بِأَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ. وَقَدْ قَالَ ذُو الرِّيَاسَتَيْنِ حِينَ قَدِمَ الرَّأْسُ، يُؤَلِّبُ عَلَى طَاهِرٍ: أَمَرْنَاهُ بِأَنْ يَأْتِيَ بِهِ أَسِيرًا، فَأَرْسَلَ بِهِ عَقِيرًا. فَقَالَ الْمَأْمُونُ: قَدْ مَضَى مَا مَضَى. وَكَتَبَ طَاهِرٌ إِلَى الْمَأْمُونِ كِتَابًا ذَكَرَ فِيهِ صُورَةَ مَا وَقَعَ مِنَ الْقِتَالِ حَتَّى آلَ الْحَالُ إِلَى مَا آلَ إِلَيْهِ.
وَلَمَّا قُتِلَ الْأَمِينُ هَدَأَتِ الْفِتَنُ، وَخَمَدَتِ الشُّرُورُ، وَأَمِنَ النَّاسُ، وَطَابَتِ النُّفُوسُ، وَدَخَلَ طَاهِرُ بْنُ الْحُسَيْنِ إِلَى بَغْدَادَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ وَخَطَبَهُمْ خُطْبَةً بَلِيغَةً، ذَكَرَ فِيهَا آيَاتٍ كَثِيرَةً مِنَ الْقُرْآنِ، وَأَنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، وَأَمَرَهُمْ فِيهَا بِالْجَمَاعَةِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى مُعَسْكَرِهِ فَأَقَامَ بِهِ، وَأَمَرَ بِتَحْوِيلِ زُبَيْدَةَ مِنْ قَصْرِ أَبِي جَعْفَرٍ إِلَى قَصْرِ الْخُلْدِ، فَخَرَجَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَبَعَثَ بِمُوسَى وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنَيِ الْأَمِينِ إِلَى عَمِّهِمَا الْمَأْمُونِ بِخُرَاسَانَ، وَكَانَ ذَلِكَ رَأْيًا سَدِيدًا.
وَقَدْ وَثَبَ طَائِفَةٌ مِنَ الْجُنْدِ بِطَاهِرٍ بَعْدَ خَمْسَةِ أَيَّامٍ مِنْ مَقْتَلِ الْأَمِينِ وَطَلَبُوا مِنْهُ أَرْزَاقَهُمْ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إِذْ ذَاكَ مَالٌ، فَتَحَزَّبُوا وَاجْتَمَعُوا، وَنَهَبُوا بَعْضَ مَتَاعِهِ وَنَادَوْا: يَا مُوسَى، يَا مَنْصُورُ. وَاعْتَقَدُوا أَنَّ مُوسَى بْنَ الْأَمِينِ الْمُلَقَّبَ بِالنَّاطِقِ بِالْحَقِّ هُنَاكَ، وَإِذَا هُوَ قَدْ سَيَّرَهُ طَاهِرٌ إِلَى عَمِّهِ الْمَأْمُونِ وَانْحَازَ طَاهِرٌ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْقُوَّادِ نَاحِيَةً، وَعَزَمَ عَلَى قِتَالِهِمْ وَمُنَاجَزَتِهِمْ بِمَنْ مَعَهُ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْهِ، وَاعْتَذَرُوا، وَنَدِمُوا عَلَى مَا كَانُوا فَعَلُوا، فَأَمَرَ لَهُمْ بِرِزْقِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ؛ بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ