قَالَ أَبُو نُوَاسٍ: دَعَانِي يَوْمًا بَعْضُ الْحَاكَةِ، وَأَلَحَّ عَلِيَّ لِيُضِيفَنِي فِي مَنْزِلِهِ، وَلَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى أَجَبْتُهُ، فَسَارَ إِلَى مَنْزِلِهِ وَسِرْتُ مَعَهُ، فَإِذَا مَنْزِلٌ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَدِ احْتَفَلَ الْحَائِكُ فَلَمْ يُقَصِّرْ، فَأَكَلْنَا وَشَرِبْنَا، ثُمَّ قَالَ: يَا سَيِّدِي، أَشْتَهِي أَنْ تَقُولَ فِي جَارِيَتِي شَيْئًا مِنَ الشِّعْرِ وَكَانَ مُغْرَمًا بِجَارِيَةٍ لَهُ. قَالَ أَبُو نُوَاسٍ فَقُلْتُ: أَرِنِيهَا حَتَّى أَنْظِمَ عَلَى شَكْلِهَا، وَحُسْنِهَا. فَكَشَفَ عَنْهَا الْحِجَابَ، فَإِذَا هِيَ مِنْ أَسْمَجِ خَلْقِ اللَّهِ وَأَوْحَشِهِمْ، سَوْدَاءُ شَمْطَاءُ دِنْدَانِيَةٌ يَسِيلُ لُعَابُهَا عَلَى صَدْرِهَا، فَقُلْتُ لِسَيِّدِهَا: مَا اسْمُهَا؟ فَقَالَ: تَسْنِيمُ. فَأَنْشَأْتُ أَقُولُ:
أَسْهَرَ لَيْلِي حُبُّ تَسْنِيمِ ... جَارِيَةٍ فِي الْحُسْنِ كَالْبُومِ
كَأَنَّمَا نَكْهَتُهَا كَامِخٌ ... أَوْ حُزْمَةٌ مِنْ حُزَمِ الثُّومِ
ضَرَطْتُ مِنْ حُبِّي لَهَا ضَرْطَةً ... أَفْزَعْتُ مِنْهَا مَلِكَ الرُّومِ
قَالَ: فَقَامَ الْحَائِكُ يَرْقُصُ وَيُصَفِّقُ سَائِرَ يَوْمِهِ، وَيَفْرَحُ وَيَقُولُ: شَبَّهَهَا وَاللَّهِ بِمَلِكِ الرُّومِ.
وَمِنْ شَعْرِ أَبِي نُوَاسٍ:
أَبْرَمَنِي النَّاسُ يَقُولُونَ تُبْ ... بِزَعْمِهِمْ كَثْرَةُ أَوْزَارِيَهْ
إِنْ كُنْتُ فِي النَّارِ وَفِي جَنَّةٍ ... مَاذَا عَلَيْكُمْ يَا بَنِي الزَّانِيَهْ
وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ ذَكَرُوا عَنْهُ أُمُورًا كَثِيرَةً، وَأَشْعَارًا مُنْكَرَةً، وَمُجُونًا كَثِيرَةً،