وَأَوْجِزْ. فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
لَا تَأْمَنِ الْمَوْتَ فِي طَرَفٍ وَلَا نَفَسٍ ... وَلَوْ تَمَنَّعْتَ بِالْحُجَّابِ وَالْحَرَسِ
وَاعْلَمْ بِأَنَّ سِهَامَ الْمَوْتِ قَاصِدَةٌ ... لِكُلِّ مُدَّرِعٍ مِنْهَا وَمُتَّرِسِ
تَرْجُو النَّجَاةَ وَلَمْ تَسْلُكْ مَسَالِكَهَا ... إِنَّ السَّفِينَةَ لَا تَجْرِي عَلَى الْيَبَسِ
قَالَ: فَخَرَّ الرَّشِيدُ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ.
وَقَدْ حَبَسَ الرَّشِيدُ مَرَّةً أَبَا الْعَتَاهِيَةِ، وَأَرْصَدَ عَلَيْهِ مَنْ يَأْتِيهِ بِمَا يَقُولُ، فَكَتَبَ مَرَّةً عَلَى جِدَارِ الْحَبْسِ:
أَمَا وَاللَّهِ إِنَّ الظُّلْمَ لُومٌ ... وَمَا زَالَ الْمُسِيءُ هُوَ الظَّلُومُ
إِلَى دَيَّانِ يَوْمِ الدِّينِ نَمْضِي ... وَعِنْدَ اللَّهِ تَجْتَمِعُ الْخُصُومُ
قَالَ: فَاسْتَدْعَاهُ وَاسْتَجْعَلَهُ فِي حِلٍّ، وَوَهَبَهُ أَلْفَ دِينَارٍ، وَأَطْلَقَهُ.
وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهْمِ: ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الرَّشِيدِ فَقَالَ: مَا خَبَرُكَ؟ فَقُلْتُ:
بِعَيْنِ اللَّهِ مَا تَخْفَى الْبُيُوتُ ... فَقَدْ طَالَ التَّحَمُّلُ وَالسُّكُوتُ
فَقَالَ: يَا فُلَانُ، مِائَةُ أَلْفٍ لِابْنِ عُيَيْنَةَ تُغْنِيهِ، وَتُغْنِي عَقِبَهُ، وَلَا تَضُرُّ الرَّشِيدَ شَيْئًا.