خِدْمَتَهُ بِنَفْسِهِ، وَعَظُمَ الْفَضْلُ عِنْدَ الرَّشِيدِ جَدًّا بِهَذِهِ الْفِعْلَةِ; حَيْثُ سَعَى فِي الْإِصْلَاحِ بَيْنَ الْعَبَّاسِيِّينَ وَالْفَاطِمِيِّينَ.
فَفِي ذَلِكَ يَقُولُ مَرْوَانُ ابْنُ أَبِي حَفْصَةَ يَمْدَحُ الْفَضْلَ بْنَ يَحْيَى، وَيَشْكُرُهُ عَلَى سَعْيِهِ هَذَا:
ظَفِرْتَ فَلَا شُلَّتْ يَدٌ بَرْمَكِيَّةٌ ... رَتَقْتَ بِهَا الْفَتْقَ الَّذِي بَيْنَ هَاشِمٍ
عَلَى حِينِ أَعْيَا الرَّاتِقينَ الْتِئَامُهُ ... فَكَفُّوا وَقَالُوا لَيْسَ بِالْمُتَلَائِمِ
فَأَصْبَحَتْ قَدْ فَازَتْ يَدَاكَ بِخُطَّةٍ ... مِنَ الْمَجْدِ بَاقٍ ذِكْرُهَا فِي الْمَوَاسِمِ
وَمَا زَالَ قِدْحُ الْمُلِكِ يَخْرُجُ فَائِزًا ... لَكُمْ كُلَّمَا ضُمَّتْ قِدَاحُ الْمُسَاهِمِ
قَالُوا: ثُمَّ إِنَّ الرَّشِيدَ تَنَكَّرَ لِيَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ، وَتَغَيَّرَ عَلَيْهِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ سَجَنَهُ، ثُمَّ اسْتَحْضَرَهُ الرَّشِيدُ وَعِنْدَهُ الْقَاضِيَانِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ، وَعِنْدَهُ جَمَاعَاتٌ مِنَ الْهَاشِمِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ، وَأَحْضَرَ الْأَمَانَ الَّذِي بَعَثَ بِهِ إِلَيْهِ، فَسَأَلَ الرَّشِيدُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ عَنْ هَذَا الْأَمَانِ أَصَحِيحٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَتَغَيَّظَ الرَّشِيدُ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ: لَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ، فَاحْكُمْ فِيهِ بِمَا شِئْتَ. وَمَزَّقَ الْأَمَانَ، وَبَصَقَ فِيهِ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ، وَأَقْبَلَ الرَّشِيدُ عَلَى يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: هِيهِ هِيهِ. وَهُوَ يَتَبَسَّمُ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ، وَقَالَ إِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّا سَمَمْنَاكَ. فَقَالَ لَهُ يَحْيَى: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ لَنَا قَرَابَةً وَرَحِمًا وَحَقًّا، فَعَلَامَ تُعَذِّبُنِي وَتَحْبِسُنِي؟ فَرَقَّ لَهُ الرَّشِيدُ، فَاعْتَرَضَ بَكَّارُ بْنُ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: لَا يُغْرُنَّكَ كَلَامُ هَذَا، فَإِنَّهُ عَاصٍ شَاقٌّ، وَإِنَّمَا هَذَا مِنْهُ مَكْرٌ وَخُبْثٌ، وَقَدْ أَفْسَدَ عَلَيْنَا مَدِينَتَنَا، وَأَظْهَرَ فِيهَا