يَوْمًا وَقَدْ لَبِسَ الْبَيَاضَ، وَجَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ، وَجَاءَ النَّاسُ إِلَى الصَّلَاةِ فَلَمَّا رَأَوْهُ وَلَّوْا رَاجِعِينَ، وَالْتَفَّ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، فَبَايَعُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالرِّضَا مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ. وَكَانَ سَبَبَ خُرُوجِهِ أَنَّ مُتَوَلِّيَهَا خَرَجَ مِنْهَا إِلَى بَغْدَادَ لِتَلَقِّي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَهْنِئَتِهِ بِالْوِلَايَةِ، وَتَعْزِيَتِهِ فِي أَبِيهِ الْمَهْدِيِّ، فَجَرَتْ أُمُورٌ اقْتَضَتْ أَنْ خَرَجَ حُسَيْنٌ هَذَا، وَالْتَفَّ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، وَجَعَلُوا مَأْوَاهُمُ الْمَسْجِدَ النَّبَوِيَّ، وَمَنَعُوا النَّاسَ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، وَلَمْ يُجِبْهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَجَعَلُوا يَدْعُونَ عَلَيْهِ لِامْتِهَانِهِمُ الْمَسْجِدَ، حَتَّى ذُكِرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُقَذِّرُونَ فِي جَنْبَاتِ الْمَسْجِدِ، وَقَدِ اقْتَتَلُوا مَعَ الْمُسَوِّدَةِ مَرَّاتٍ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ وَقُتِلَ مِنْهُمْ، ثُمَّ ارْتَحَلَ إِلَى مَكَّةَ، فَأَقَامَ بِهَا إِلَى زَمَنِ الْحَجِّ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْهَادِي جَيْشًا، فَقَاتَلُوهُ بَعْدَ فَرَاغِ النَّاسِ مِنَ الْمَوْسِمِ، فَقَتَلُوهُ وَقَتَلُوا طَائِفَةً مِنْ أَصْحَابِهِ، وَانْهَزَمَ بَقِيَّتُهُمْ، وَتَفَرَّقُوا شَذَرَ مَذَرَ، فَكَانَ مُدَّةُ خُرُوجِهُ إِلَى أَنْ قُتِلَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا.
وَقَدْ كَانَ كَرِيمًا مِنْ أَجْوَدِ النَّاسِ; دَخَلَ يَوْمًا عَلَى الْمَهْدِيِّ، فَأَطْلَقَ لَهُ أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَفَرَّقَهَا فِي أَهْلِهِ وَأَصْدِقَائِهِ مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ وَالْكُوفَةِ، وَمَا خَرَجَ مِنْهَا وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ، إِنَّمَا عَلَيْهِ فَرْوَةٌ لَيْسَ دُونَهَا قَمِيصٌ.
وَفِيهَا حَجَّ بِالنَّاسِ سُلَيْمَانُ ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَمُّ الْخَلِيفَةِ.
وَغَزَا الصَّائِفَةَ مِنْ طَرِيقِ دَرْبِ الرَّاهِبِ مَعْيُوفُ بْنُ يَحْيَى فِي جَحْفَلٍ كَثِيفٍ، وَقَدْ أَقْبَلَتِ الرُّومُ مَعَ بَطْرِيقِهَا فَبَلَغُوا الْحَدَثَ.