هَمَّكَ، وَلَتَمُرَّنَّ غَدًا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَاللِّوَاءُ بَيْنَ يَدَيْكَ، فَإِنْ كَانَ مَا قُلْتُ حَقًّا فَلِي عَلَيْكَ خَمْسَةُ آلَافٍ. فَقُلْتُ: نَعَمْ. وَلَوْ قَالَ: خَمْسُونَ أَلْفًا. لَقُلْتُ: نَعَمْ. لِبُعْدِ ذَلِكَ عِنْدِي. قَالَ: وَذَهَبْتُ لِشَأْنِي، وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْنَا مِنَ الْحِمْلِ ثَلَاثُمِائَةِ أَلْفٍ، فَوَرَدَ الْخَبَرُ إِلَى الْمَنْصُورِ بِانْتِقَاضِ الْمَوْصِلِ وَانْتِشَارِ الْأَكْرَادِ بِهَا، فَاسْتَشَارَ الْأُمَرَاءَ مَنْ يَصْلُحُ لِلْمَوْصِلِ؟ فَأَشَارَ بَعْضُهُمْ بِخَالِدِ بْنِ بَرْمَكَ، فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُورُ: وَيْحَكَ! أَوَيُصْلِحُ لِذَلِكَ بَعْدَمَا فَعَلْنَا بِهِ مَا فَعَلْنَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَأَنَا الضَّامِنُ أَنَّهُ يَصْلُحُ لَهَا. فَأَمَرَ بِإِحْضَارِهِ، فَوَلَّاهُ إِيَّاهَا، وَوَضَعَ عَنْهُ بَقِيَّةَ مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَعَقَدَ لَهُ اللِّوَاءَ، وَوَلَّى ابْنَهُ يَحْيَى بْنَ خَالِدٍ أَذْرَبِيجَانَ، وَخَرَجَ النَّاسُ فِي خِدْمَتِهِمَا. قَالَ يَحْيَى: فَمَرَرْنَا بِالْجِسْرِ، فَثَارَ إِلَيَّ ذَلِكَ الزَّاجِرُ فَطَالَبَنِي بِمَا وَعَدْتُهُ بِهِ فَأَمَرْتُ لَهُ بِهِ، فَقَبَضَ خَمْسَةَ آلَافٍ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ خَرَجَ الْمَنْصُورُ إِلَى الْحَجِّ، فَسَاقَ الْهَدْيَ مَعَهُ، فَلَمَّا جَاوَزَ الْكُوفَةَ بِمَرَاحِلَ أَخَذَهُ وَجَعُهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَكَانَ عِنْدَهُ سُوءُ مِزَاجٍ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ وَرُكُوبِهِ فِي الْهَوَاجِرِ، وَأَخَذَهُ إِسْهَالٌ وَأَفْرَطَ بِهِ، فَقَوِيَ مَرَضُهُ، وَدَخَلَ مَكَّةَ، فَتُوُفِّيَ بِهَا لَيْلَةَ السَّبْتِ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ، وَدُفِنَ بِكَدَاءٍ عِنْدَ ثَنِيَّةِ الْمُعَلَّى الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ، وَكَانَ عُمْرُهُ يَوْمَئِذٍ ثَلَاثًا - وَقِيلَ: أَرْبَعًا. وَقِيلَ: خَمْسًا - وَسِتِّينَ سَنَةً. وَقِيلَ: إِنَّهُ بَلَغَ ثَمَانِيًا وَسِتِّينَ سَنَةً. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ كَتَمَ الرَّبِيعُ مَوْتَهُ حَتَّى أَخَذَ الْبَيْعَةَ لِلْمَهْدِيِّ، مِنَ الْقُوَّادِ وَرُءُوسِ بَنِي هَاشِمٍ، ثُمَّ دُفِنَ. وَكَانَ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَهُوَ الَّذِي أَقَامَ لِلنَّاسِ الْحَجَّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ.