ثُمَّ إِنَّ الْمَنْصُورَ خَلَعَ عِيسَى بْنَ مُوسَى عَنْ وِلَايَةِ الْعَهْدِ، وَقَدَّمَ عَلَيْهِ ابْنَهُ الْمَهْدِيَّ، فَكَانَ يُجْلِسُهُ فَوْقَ عِيسَى عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَى عِيسَى بْنِ مُوسَى، وَيُهِينُهُ فِي الْإِذْنِ وَالْمَشُورَةِ وَالدُّخُولِ عَلَيْهِ وَالْخُرُوجِ مِنْ عِنْدِهِ، بَعْدَ مَا كَانَ حَظِيًّا عِنْدَهُ قَبْلَ ذَلِكَ جِدًّا، ثُمَّ مَا زَالَ يُقْصِيهِ وَيُبْعِدُهُ وَيَتَهَدَّدُهُ وَيَتَوَعَّدُهُ، حَتَّى خَلَعَ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ وَبَايَعَ لِمُحَمَّدٍ ابْنِ الْمَنْصُورِ، وَأَعْطَاهُ الْمَنْصُورُ عَلَى ذَلِكَ نَحْوًا مِنَ اثَّنَى عَشَرَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَانْصَلَحَ أَمْرُ عِيسَى بْنِ مُوسَى وَبَنِيهِ عِنْدَ الْمَنْصُورِ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ بَعْدَمَا كَانَ قَدْ أَعْرَضَ عَنْهُ، وَكَانَ قَدْ جَرَتْ بَيْنَهُمَا مُكَاتَبَاتٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَمُرَاوِضَاتٌ فِي تَمْهِيدِ الْبَيْعَةِ لِابْنِهِ الْمَهْدِيِّ وَخَلْعِ عِيسَى نَفْسَهُ، وَأَنَّ الْعَامَّةَ لَا يَعْدِلُونَ بِالْمَهْدِيِّ أَحَدًا، وَكَذَلِكَ الْأُمَرَاءُ وَالْخَوَاصُّ، وَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أَجَابَ إِلَى ذَلِكَ مُكْرَهًا، فَعَوَّضَهُ عَنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا، وَسَارَتْ بَيْعَةُ الْمَهْدِيِّ فِي الْآفَاقِ شَرْقًا وَغَرْبًا، وَبُعْدًا وَقُرْبًا، وَفَرِحَ الْمَنْصُورُ بِذَلِكَ فَرَحًا شَدِيدًا، وَاسْتَقَرَّتِ الْخِلَافَةُ فِي ذُرِّيَّتِهِ إِلَى زَمَانِنَا هَذَا، فَلَمْ يَكُنْ خَلِيفَةٌ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ إِلَّا مِنْ سُلَالَتِهِ، ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ.
وَفِيهَا تُوُفِّيَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ، وَهَاشِمُ بْنُ هَاشِمٍ، وَهِشَامُ بْنُ حَسَّانَ صَاحِبُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ.