بِضْعًا وَخَمْسِينَ يَوْمًا، حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ قِيلَ لَهُ فِي غُبُونِ ذَلِكَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ نِسَاءَكَ قَدْ خَبُثَتْ أَنْفُسُهُنَّ لِغَيْبَتِكَ عَنْهُنَّ. فَانْتَهَرَ الْقَائِلَ، وَقَالَ: وَيْحَكَ! لَيْسَتْ هَذِهِ أَيَّامَ نِسَاءٍ حَتَّى أَرَى رَأْسَ إِبْرَاهِيمَ بَيْنَ يَدَيَّ أَوْ يُحْمَلَ رَأْسِي إِلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: دَخَلْتُ عَلَى الْمَنْصُورِ وَهُوَ مَهْمُومٌ مِنْ كَثْرَةِ مَا وَقَعَ مِنَ الشُّرُورِ وَالْفُتُوقِ وَالْخُرُوقِ وَهُوَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُتَابِعَ الْكَلَامَ مِنْ شِدَّةِ كَرْبِهِ وَهَمِّهِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ قَدْ أَعَدَّ لِكُلِّ أَمْرٍ مَا يَسُدُّ خَلَلَهُ، وَقَدْ خَرَجَتْ عَنْ يَدِهِ الْبَصْرَةُ وَالْأَهْوَازُ وَأَرْضُ فَارِسَ وَوَاسِطُ وَالْمَدَائِنُ وَأَرْضُ السَّوَادِ، وَفِي الْكُوفَةِ عِنْدَهُ مِائَةُ أَلْفِ سَيْفٍ مُغْمِدَةٌ، تَنْتَظِرُ بِهِ صَيْحَةً وَاحِدَةً، فَيَثِبُونَ عَلَيْهِ مَعَ إِبْرَاهِيمَ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَعْرُكُ النَّوَائِبَ وَيَمْرُسُهَا، وَلَمْ تَقْعُدْ بِهِ نَفْسُهُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
نَفْسُ عِصَامٍ سَوَّدَتْ عِصَامَا ... وَعَلَّمَتْهُ الْكَرَّ وَالْإِقْدَامَا
فَصَيَّرَتْهُ مَلِكًا هُمَامَا
وَأَقْبَلَ إِبْرَاهِيمُ قَاصِدًا مَنَ الْبَصْرَةِ إِلَى الْكُوفَةِ فِي مِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الْمَنْصُورُ عِيسَى بْنَ مُوسَى فِي خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا، وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ حُمَيْدُ بْنُ قَحْطَبَةَ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ، وَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ فَنَزَلَ فِي بَاخَمْرَا فِي جَحَافِلَ عَظِيمَةٍ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْأُمَرَاءِ: إِنَّكَ قَدِ اقْتَرَبْتَ مِنَ الْمَنْصُورِ، فَلَوْ أَنَّكَ سِرْتَ إِلَيْهِ بِطَائِفَةٍ مِنْ جَيْشِكَ هَذَا لَأَخَذْتَ بِقَفَاهُ; فَإِنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ مِنَ الْجُيُوشِ أَحَدٌ يَرُدُّونَ عَنْهُ. فَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: إِنَّ الْأَوْلَى أَنْ نُنَاجِزَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ بِإِزَائِنَا، ثُمَّ هُوَ فِي قَبْضَتِنَا. فَثَنَاهُمْ