وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، بَعْدَ مُنْصَرَفِ الْحَجِيجِ.
وَقِيلَ: إِنَّ أَوَّلَ قُدُومِهِ إِلَيْهَا كَانَ فِي مُسْتَهَلِّ رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، بَعَثَهُ أَخُوهُ إِلَيْهَا بَعْدَ ظُهُورِهِ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ. قَالَهُ الْوَاقِدِيُّ. قَالَ: وَكَانَ يَدْعُو فِي السِّرِّ إِلَى أَخِيهِ، فَلَمَّا قُتِلَ أَخُوهُ أَظْهَرَ الدَّعْوَةَ إِلَى نَفْسِهِ وَمُخَالَفَةَ الْمَنْصُورِ فِي شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ. وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ قَدِمَهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ أَظْهَرَ الدَّعْوَةَ فِي حَيَاةِ أَخِيهِ، كَمَا قَدَّمْنَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَمَّا دَخَلَ الْبَصْرَةَ أَوَّلَ قُدُومِهِ إِلَيْهَا نَزَلَ عِنْدَ يَحْيَى بْنِ زِيَادِ بْنِ حَسَّانَ النَّبَطِيِّ، وَكَانَ مُخْتَفِيًا عِنْدَهُ هَذِهِ الْمُدَّةَ كُلَّهَا، حَتَّى ظَهَرَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَكَانَ أَوَّلُ ظُهُورِهِ فِي دَارِ أَبِي فَرْوَةَ، وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ بَايَعَهُ نُمَيْلَةَ بْنَ مُرَّةَ، وَعَفْوَ اللَّهِ بْنَ سُفْيَانَ، وَعَبْدَ الْوَاحِدِ بْنَ زِيَادٍ، وَعَمْرَو بْنَ سَلَمَةَ الْهُجَيْمِيَّ، وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ يَحْيَى بْنِ حُضَيْنٍ الرَّقَاشِيَّ، وَنَدَبُوا النَّاسَ إِلَيْهِ، فَاسْتَجَابَ لَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَتَحَوَّلَ إِلَى دَارِ أَبِي مَرْوَانَ فِي وَسَطِ الْبَصْرَةِ، وَاسْتَفْحَلَ أَمْرُهُ، وَبَايَعَهُ فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، وَتَفَاقَمَ الْخَطْبُ بِهِ، وَبَلَغَ خَبَرُهُ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ، فَازْدَادَ غَمًّا إِلَى غَمِّهِ بِأَخِيهِ مُحَمَّدٍ; وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ظَهَرَ قَبْلَ مَقْتَلِ أَخِيهِ، كَمَا ذَكَرْنَا وَإِنَّمَا كَانَ السَّبَبُ فِي تَعْجِيلِهِ الظُّهُورَ بِالْبَصْرَةِ كِتَابَ أَخِيهِ إِلَيْهِ بِذَلِكَ، فَامْتَثَلَ أَمْرَهُ، وَدَعَا إِلَى نَفْسِهِ، فَانْتَظَمَ أَمْرُهُ بِالْبَصْرَةِ، وَكَانَ نَائِبُهَا لِلْمَنْصُورِ سُفْيَانَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ مُمَالِئًا لِإِبْرَاهِيمَ فِي الْبَاطِنِ وَيُبْلِغُهُ أَخْبَارَهُ، فَلَا يَكْتَرِثُ لَهَا، وَيُكَذِّبُ