السُّوقِ إِلَيْهِمْ فَقَاتَلُوهُمْ، وَجَاءَتِ الْجُيُوشُ فَالْتَفُّوا عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، فَحَصَدُوهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ بَقِيَّةٌ، وَجَرَحُوا عُثْمَانَ بْنَ نَهِيكٍ بِسَهْمٍ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَمُرِّضَ أَيَّامًا ثُمَّ مَاتَ، فَوَلِيَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ الْخَلِيفَةُ الْمَنْصُورُ، وَقَامَ عَلَى قَبْرِهِ حَتَّى دُفِنَ، وَدَعَا لَهُ، وَوَلَّى أَخَاهُ عِيسَى بْنَ نَهِيكٍ عَلَى الْحَرَسِ، وَكَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ بِالْمَدِينَةِ الْهَاشِمِيَّةِ مِنَ الْكُوفَةِ.
وَلَمَّا فَرَغَ الْمَنْصُورُ مِنْ قِتَالِ الرَّاوَنْدِيَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمَ صَلَّى بِالنَّاسِ الظُّهْرَ فِي آخِرِ وَقْتِهَا، ثُمَّ أُتِيَ بِالطَّعَامِ فَقَالَ: أَيْنَ مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ؟ وَأَمْسَكَ عَنِ الطَّعَامِ حَتَّى جَاءَ مَعْنٌ، فَأَجْلَسَهُ إِلَى جَانِبِهِ، ثُمَّ أَخَذَ فِي شُكْرِهِ لِمَنْ بِحَضْرَتِهِ; لِمَا رَأَى مِنْ شَهَامَتِهِ يَوْمَئِذٍ، فَقَالَ مَعْنٌ: وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَقَدْ جِئْتُ وَإِنِّي لَوَجِلٌ، فَلَمَّا رَأَيْتُ اسْتِهَانَتَكَ بِهِمْ وَإِقْدَامَكَ عَلَيْهِمْ قَوِيَ قَلْبِي بِذَلِكَ، وَمَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَدًا يَكُونُ فِي الْحَرْبِ هَكَذَا، فَذَاكَ الَّذِي شَجَّعَنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَأَمَرَ لَهُ الْمَنْصُورُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ، وَرَضِيَ عَنْهُ، وَوَلَّاهُ الْيَمَنَ، وَكَانَ مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ قَبْلَ ذَلِكَ مُخْتَفِيًا; لِأَنَّهُ قَاتَلَ الْمُسَوِّدَةَ مَعَ ابْنِ هُبَيْرَةَ، فَلَمْ يَظْهَرْ إِلَّا فِي هَذَا الْيَوْمِ. فَلَمَّا رَأَى الْخَلِيفَةُ صِدْقَهُ فِي قِتَالِهِ رَضِيَ عَنْهُ.
وَيُقَالُ: إِنَّ الْمَنْصُورَ قَالَ: أَخْطَأْتُ فِي ثَلَاثٍ; قَتَلْتُ أَبَا مُسْلِمٍ وَأَنَا فِي جَمَاعَةٍ قَلِيلَةٍ، وَحِينَ خَرَجْتُ إِلَى الشَّامِ وَلَوِ اخْتَلَفَ سَيْفَانِ بِالْعِرَاقِ لَذَهَبَتِ الْخِلَافَةُ، وَيَوْمَ الرَّاوِنْدِيَّةِ لَوْ أَصَابَنِي سَهْمٌ غَرْبٌ لَذَهَبْتُ ضَيَاعًا. وَهَذَا مِنْ حَزْمِهِ وَصَرَامَتِهِ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ وَلَّى الْمَنْصُورَ ابْنَهُ مُحَمَّدًا الْمَهْدِيَّ وَلِيَّ عَهْدِهِ مِنْ بَعْدِهِ، بِلَادَ