لَمَّا رَجَعَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ مِنَ الْحَجِّ دَخَلَ الْكُوفَةَ، فَخَطَبَ بِأَهْلِهَا يَوْمَ الْجُمْعَةِ، ثُمَّ ارْتَحَلَ مِنْهَا إِلَى الْأَنْبَارِ، وَقَدْ أُخِذَتْ لَهُ الْبَيْعَةُ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَسَائِرِ الْبِلَادِ سِوَى الشَّامِ، وَقَدْ ضَبَطَ عِيسَى بْنُ مُوسَى بُيُوتَ الْأَمْوَالِ وَالْحَوَاصِلَ لِلْمَنْصُورِ حَتَّى قَدِمَ، فَسَلَّمَ إِلَيْهِ الْأَمْرَ، وَكَتَبَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ وَهُوَ بِدُرُوبِ الرُّومِ يُعْلِمُهُ بِوَفَاةِ السَّفَّاحِ، فَلَمَّا بَلَغَهُ الْخَبَرُ نَادَى فِي النَّاسِ: الصَّلَاةُ جَامِعَةً. فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ الْأُمَرَاءُ وَالنَّاسُ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ وَفَاةَ السَّفَّاحِ، ثُمَّ قَامَ فِيهِمْ خَطِيبًا، فَذَكَرَ أَنَّ السَّفَّاحَ كَانَ عَهِدَ إِلَيْهِ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى مَرْوَانَ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ إِلَيْهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَشَهِدَ لَهُ بَعْضُ أُمَرَاءِ خُرَاسَانَ بِذَلِكَ، وَنَهَضُوا إِلَيْهِ فَبَايَعُوهُ، وَرَجَعَ إِلَى حَرَّانَ فَتَسَلَّمَهَا مِنْ نَائِبِ الْمَنْصُورِ بَعْدَ مُحَاصَرَةٍ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَقُتِلَ مُقَاتِلٌ