غَضَّةٌ عَنِ الشَّرِّ أَعْيُنُهُمْ، ثَقِيلَةٌ عَنِ الْبَاطِلِ أَقْدَامُهُمْ، قَدْ بَاعُوا لِلَّهِ أَنْفُسًا تَمُوتُ بِأَنْفُسٍ لَا تَمُوتُ، قَدْ خَالَطُوا كَلَالَهُمْ بِكَلَالِهِمْ، وَقِيَامَ لَيْلِهِمْ بِصِيَامِ نَهَارِهِمْ، مُنْحَنِيَةٌ أَصْلَابُهُمْ عَلَى أَجْزَاءِ الْقُرْآنِ، كُلَّمَا مَرُّوا بِآيَةِ خَوْفٍ شَهَقُوا ; خَوْفًا مِنَ النَّارِ، وَإِذَا مَرُّوا بِآيَةِ شَوْقٍ شَهَقُوا ; شَوْقًا إِلَى الْجَنَّةِ، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَى السُّيُوفِ قَدِ انْتُضِيَتْ، وَإِلَى الرِّمَاحِ قَدْ شُرِعَتْ، وَإِلَى السِّهَامِ قَدْ فُوِّقَتْ، وَأُرْعِدَتِ الْكَتِيبَةُ بِصَوَاعِقَ الْمَوْتِ، اسْتَخَفُّوا وَعِيدَ الْكَتِيبَةِ لِوَعِيدِ اللَّهِ، وَلَمْ يَسْتَخِفُّوا وَعِيدَ اللَّهِ لِوَعِيدِ الْكَتِيبَةِ، فَطُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ، فَكَمْ مِنْ عَيْنٍ فِي مِنْقَارِ طَائِرٍ طَالَمَا فَاضَتْ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ مِنْ خَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَمْ مِنْ يَدٍ زَالَتْ عَنْ مَفْصِلِهَا طَالَمَا اعْتَمَدَ بِهَا صَاحِبُهَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ. أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْ تَقْصِيرِنَا، وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.
ثُمَّ رَوَى الْمَدَائِنِيُّ عَنِ الْعَبَّاسِ، عَنْ هَارُونَ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَانَ أَبُو حَمْزَةَ الْخَارِجِيُّ قَدْ أَحْسَنَ السِّيرَةَ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ حَتَّى اسْتَمَالَ النَّاسَ حِينَ سَمِعُوهُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: بَرِحَ الْخَفَاءُ أَيْنَ مَا بِكَ يَذْهَبُ؟ ! مَنْ زَنَى فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ سَرَقَ فَهُوَ كَافِرٌ. فَأَبْغَضَهُ النَّاسُ، وَرَجَعُوا عَنْ مَحَبَّتِهِ. وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى بَعَثَ مَرْوَانُ الْحِمَارُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَطِيَّةَ أَحَدَ بَنِي سَعْدٍ فِي خُيُولِ أَهْلِ الشَّامِ أَرْبَعَةِ آلَافٍ، قَدِ انْتَخَبَهَا مِنْ جَيْشِهِ، وَأَعْطَى كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مِائَةَ