الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ وَكَانَ قَدْ سَجَنَ غَالِبَ مَنْ بِبِلَادِهِ مِنْهُمْ، وَجَعَلَ الْأَرْصَادَ عَلَى الثُّغُورِ ; خَوْفًا مِنْ جُنْدِ الْخَلِيفَةِ، فَعَزَلَهُ عَنْهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَوَلَّى عَلَيْهَا مَنْصُورَ بْنَ جُمْهُورٍ مَعَ بِلَادِ السِّنْدِ وَسِجِسْتَانَ وَخُرَاسَانَ وَقَدْ كَانَ مَنْصُورُ بْنُ جُمْهُورٍ أَعْرَابِيًّا جِلْفًا، وَكَانَ يُزَنُّ بِمَذْهَبِ الْغَيْلَانِيَّةِ الْقَدَرِيَّةِ وَلَكِنْ كَانَتْ لَهُ آثَارٌ حَسَنَةٌ، وَغِنَاءٌ كَثِيرٌ فِي مَقْتَلِ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ فَحَظِيَ بِذَلِكَ عِنْدَ يَزِيدَ بْنِ الْوَلِيدِ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَمَّا فَرَغَ النَّاسُ مِنْ مَقْتَلِ الْوَلِيدِ ذَهَبَ مِنْ فَوْرِهِ إِلَى الْعِرَاقِ فَأَخَذَ الْبَيْعَةَ مِنْ أَهْلِهَا لِيَزِيدَ وَقَرَّرَ بِالْأَقَالِيمِ نُوَّابًا وَعُمَّالًا، وَكَرَّ رَاجِعًا فِي أَوَاخِرِ رَمَضَانَ ; فَلِذَلِكَ وَلَّاهُ الْخَلِيفَةُ مَا وَلَّاهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فَإِنَّهُ فَرَّ مِنَ الْعِرَاقِ فَلَحِقَ بِبِلَادِ الْبَلْقَاءِ فَبَعَثَ إِلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدُ فَأَحْضَرُوهُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ - وَكَانَ كَبِيرَ اللِّحْيَةِ جِدًّا، رُبَّمَا كَانَتْ تُجَاوِزُ سَرَّتْهُ، وَكَانَ قَصِيرَ الْقَامَةِ - فَوَبَّخَهُ وَأَنَّبَهُ، ثُمَّ سَجَنَهُ، وَأَمَرَ بِاسْتِخْلَاصِ الْحُقُوقِ مِنْهُ، وَلَمَّا انْتَهَى مَنْصُورُ بْنُ جُمْهُورٍ إِلَى الْعِرَاقِ قَرَأَ عَلَيْهِمْ كِتَابَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَيْهِمْ فِي كَيْفِيَّةِ مَقْتَلِ الْوَلِيدِ وَأَنَّ اللَّهَ أَخَذَهُ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ، وَأَنَّهُ قَدْ وَلَّى عَلَيْهِمْ مَنْصُورَ بْنَ جُمْهُورٍ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ شَجَاعَتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِالْحَرْبِ، فَبَايَعَ أَهْلُ الْعِرَاقِ لِيَزِيدَ بْنِ الْوَلِيدِ وَكَذَلِكَ أَهْلُ السِّنْدِ وَسِجِسْتَانَ.
وَأَمَّا نَصْرُ بْنُ سَيَّارٍ نَائِبُ خُرَاسَانَ فَإِنَّهُ امْتَنَعَ مِنَ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِمَنْصُورِ بْنِ جُمْهُورٍ وَأَبَى أَنْ يَنْقَادَ لِأَوَامِرِهِ، وَقَدْ كَانَ جَهَّزَ هَدَايَا كَثِيرَةً لِلْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ فَاسْتَمَرَّتْ لَهُ.