إِذَا شَرِبُوا فِيهَا الصَّدِيدَ رَأَيْتَهُمْ ... يَذُوبُونَ مِنْ حَرِّ الصَّدِيدِ تَمَزُّقَا
قَالَ: فَبَكَى الْحَسَنُ حَتَّى بَلَّ الثَّرَى، ثُمَّ الْتَزَمَ الْفَرَزْدَقَ وَقَالَ: لَقَدْ كُنْتَ مِنْ أَبْغَضِ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ.
وَقَالَ لَهُ بَعْضُهُمْ: أَلَا تَخَافُ مِنَ اللَّهِ فِي قَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَلَّهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ عَيْنَيَّ اللَّتَيْنِ أُبْصِرُ بِهِمَا، فَكَيْفَ يُعَذِّبُنِي؟ !
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ قَبْلَ جَرِيرٍ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَقِيلَ: بِأَشْهُرٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْحَسَنُ، وَابْنُ سَيْرَيْنَ فَقَدْ ذَكَرْنَا تَرْجَمَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا مَبْسُوطَةً فِي كِتَابِنَا " التَّكْمِيلِ ". وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
فَأَمَّا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ
وَاسْمُهُ يَسَارٌ، أَبُو سَعِيدٍ الْبَصْرِيُّ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَيُقَالُ: مَوْلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَأُمُّهُ خَيْرَةُ مُوَلَّاةُ أُمِّ سَلَمَةَ كَانَتْ تَخْدُمُهَا، فَرُبَّمَا أَرْسَلَتْهَا فِي الْحَاجَةِ فَتَشْتَغِلُ عَنْ وَلَدِهَا الْحَسَنِ وَهُوَ رَضِيعٌ، فَتُشَاغِلُهُ أُمُّ سَلَمَةَ بِثَدْيِهَا، فَيَدُرُّ عَلَيْهِ فَيَرْتَضِعُ مِنْهَا، فَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ تِلْكَ الْحِكْمَةَ وَالْعُلُومَ الَّتِي أُوتِيَهَا الْحَسَنُ مِنْ بَرَكَةِ تِلْكَ الرَّضَاعَةِ مِنَ الثَّدْيِ الْمَنْسُوبِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ كَانَ وَهُوَ صَغِيرٌ تُخْرِجُهُ أُمُّهُ إِلَى الصَّحَابَةِ فَيَدْعُونَ لَهُ، وَكَانَ فِي جُمْلَةِ مَنْ يَدْعُو لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ