بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ قَدْ بَاشَرَ نِيَابَةَ الْمَدِينَةِ ثَلَاثَ سِنِينَ وَأَشْهُرًا، وَكَانَ الزُّهْرِيُّ قَدْ أَشَارَ عَلَيْهِ بِرَأْيٍ سَدِيدٍ ; وَهُوَ أَنْ يَسْأَلَ الْعُلَمَاءَ إِذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ أَمْرٌ، فَلَمْ يَقْبَلْ وَلَمْ يَفْعَلْ، فَأَبْغَضَهُ النَّاسُ، وَذَمَّهُ الشُّعَرَاءُ، ثُمَّ كَانَ هَذَا آخِرَ أَمْرِهِ.
وَفِيهَا عَزَلَ عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ، سَعِيدَ بْنَ عَمْرٍو الْحَرَشِيَّ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَخِفُّ بِأَمْرِ ابْنِ هُبَيْرَةَ، فَلَمَّا عَزَلَهُ أَحْضَرَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَعَاقَبَهُ وَأَخَذَ مِنْهُ أَمْوَالًا كَثِيرَةً، وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ ثُمَّ عَفَا عَنْهُ، وَوَلَّى عَلَى خُرَاسَانَ مُسْلِمَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ أَسْلَمَ بْنِ زُرْعَةَ الْكِلَابِيَّ، فَسَارَ إِلَيْهَا، فَاسْتَخْلَصَ أَمْوَالًا كَانَتْ مُنْكَسِرَةً فِي أَيَّامِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو الْحَرَشِيَّ.
وَفِيهَا غَزَا الْجَرَّاحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَكَمِيُّ نَائِبُ إِرْمِينِيَّةَ وَأَذْرَبِيجَانَ أَرْضَ التُّرْكِ، فَفَتَحَ بَلَنْجَرَ وَهَزَمَ التُّرْكَ، وَغَرَّقَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ فِي الْمَاءِ، وَسَبَى مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا، وَافْتَتَحَ عَامَّةَ الْحُصُونِ الَّتِي تَلِي بَلَنْجَرَ، وَأَجْلَى عَامَّةَ أَهْلِهَا.
وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّضْرِيُّ أَمِيرُ الْحَرَمَيْنِ وَالطَّائِفِ، وَعَلَى نِيَابَةِ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ، وَنَائِبُهُ عَلَى خُرَاسَانَ مُسْلِمُ بْنُ سَعِيدٍ يَوْمَئِذٍ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ وُلِدَ أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ الْمُلَقَّبُ بِالسَّفَّاحِ أَوَّلُ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ وَقَدْ بَايَعَ أَبَاهُ فِي الْبَاطِنِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ.