فَجَاءَ شَابٌّ عَلَيْهِ مُقَطَّعَاتٌ، فَأَخَذَ بِيَدِ خَالِدٍ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيْنَا مِنْ عَيْنٍ؟ فَقَالَ أَبُو الْأَعْيَسِ: فَقُلْتُ: عَلَيْكُمَا مِنَ اللَّهِ عَيْنٌ بَصِيرَةٌ وَأُذُنٌ سَمِيعَةٌ، قَالَ: فَتَرَقْرَقَتْ عَيْنَا الْفَتَى. فَأَرْسَلَ يَدَهُ مِنْ يَدِ خَالِدٍ وَوَلَّى، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ابْنُ أَخِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّهُ إِمَامَ هُدًى. قُلْتُ: قَدْ كَانَ عِنْدَ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ شَيْءٌ جَيِّدٌ مِنْ أَخْبَارِ الْأَوَائِلِ وَأَقْوَالِهِمْ.

وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي تَرْجَمَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ عَزَمَ أَنْ يَكْتُبَ الْعَهْدَ بِاسْمِ أَحَدِ أَوْلَادِهِ، فَمَا زَالَ بِهِ وَزِيرُهُ الصَّادِقُ رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ حَتَّى صَرَفَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَأَشَارَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ لِأَصْلَحِ النَّاسِ لَهُمْ، فَأَلْهَمَ اللَّهُ الْخَلِيفَةَ رُشْدَهُ، فَعَيَّنَ لَهَا ابْنَ عَمِّهِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَجَوَّدَ رَأْيَهُ رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ وَصَوَّبَهُ، فَكَتَبَ سُلَيْمَانُ الْعَهْدَ فِي صَحِيفَةٍ، وَخَتَمَهَا، وَلَمْ يَشْعُرْ بِذَلِكَ عُمَرُ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ بَنِي مَرْوَانَ سِوَى سُلَيْمَانَ وَرَجَاءٍ، ثُمَّ أَمَرَ صَاحِبَ الشُّرَطَةِ بِإِحْضَارِ الْأُمَرَاءِ، وَرُءُوسِ النَّاسِ مِنْ بَنِي مَرْوَانَ وَغَيْرِهِمْ، فَبَايَعُوا سُلَيْمَانَ عَلَى مَا فِي الصَّحِيفَةِ الْمَخْتُومَةِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا، ثُمَّ لَمَّا مَاتَ الْخَلِيفَةُ اسْتَدْعَاهُمْ رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ فَبَايَعُوا ثَانِيَةً، قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا مَوْتَ الْخَلِيفَةِ، ثُمَّ فَتَحَهَا فَقَرَأَهَا عَلَيْهِمْ، فَإِذَا فِيهَا الْبَيْعَةُ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَأَخَذُوهُ فَأَجْلَسُوهُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَبَايَعُوهُ، فَانْعَقَدَتْ لَهُ الْبَيْعَةُ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مِثْلِ هَذَا الصَّنِيعِ فِي الرَّجُلِ يُوصِي الْوَصِيَّةَ فِي كِتَابٍ وَيُشْهِدُ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقْرَأَ عَلَى الشُّهُودِ، ثُمَّ يَشْهَدُونَ عَلَى مَا فِيهِ فَيَنْفُذُ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015