بِالطَّعَامِ فَأُحْرِقَ، ثُمَّ انْشَمَرَ إِلْيُونُ فِي السُّفُنِ وَأَخَذَ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ أَمْتِعَةِ الْجَيْشِ فِي اللَّيْلِ، وَأَصْبَحَ وَهُوَ بِالْبَلَدِ مُحَارِبًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَظْهَرَ الْعَدَاوَةَ الْأَكِيدَةَ، وَتَحَصَّنَ بِالْبَلَدِ، وَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الرُّومُ، وَضَاقَ الْحَالُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى أَكَلُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا التُّرَابَ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبَهُمْ حَتَّى جَاءَتْهُمْ وَفَاةُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَتَوْلِيَةُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَلَى مَا سَيَأْتِي، فَكَرُّوا رَاجِعِينَ إِلَى الشَّامِ وَقَدْ جُهِدُوا جَهْدًا شَدِيدًا، لَكِنْ لَمْ يَرْجِعْ مَسْلَمَةُ حَتَّى بَنَى مَسْجِدًا بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ شَدِيدَ الْبِنَاءِ مُحْكَمًا، رَحْبَ الْفِنَاءِ، شَاهِقًا فِي السَّمَاءِ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: لَمَّا وَلِيَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَرَادَ الْإِقَامَةَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ أَرْسَلَ الْعَسَاكِرَ إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ فَأَشَارَ عَلَيْهِ مُوسَى بْنُ نُصَيْرٍ بِأَنْ يَفْتَحَ مَا دُونَهَا مِنَ الْمُدُنِ وَالرَّسَاتِيقِ وَالْحُصُونِ، حَتَّى يَبْلُغَ الْمَدِينَةَ فَلَا يَأْتِيَهَا إِلَّا وَقَدْ هُدِمَتْ حُصُونُهَا وَوَهَنَتْ قُوَّتُهَا، فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ لَمْ يَبْقَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا مَانِعٌ، فَيُعْطُوا بِأَيْدِيهِمْ وَيُسَلِّمُوا لَكَ الْبَلَدَ، ثُمَّ اسْتَشَارَ أَخَاهُ مَسْلَمَةَ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَدَعَ مَا دُونَهَا مِنَ الْبِلَادِ وَيَفْتَحَهَا عَنْوَةً، فَمَتَى مَا فُتِحَتْ فَإِنَّ بَاقِيَ مَا دُونَهَا مِنَ الْبِلَادِ وَالْحُصُونِ بِيَدِكَ. فَقَالَ سُلَيْمَانُ: هَذَا هُوَ الرَّأْيُ. ثُمَّ أَخَذَ فِي تَجْهِيزِ الْجُيُوشِ مِنَ الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ فَجَهَّزَ فِي الْبَرِّ مِائَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا، وَفِي الْبَحْرِ مِائَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا مِنَ الْمُقَاتِلَةِ وَأَخْرَجَ لَهُمُ الْأَعْطِيَةَ وَأَنْفَقَ فِيهِمُ الْأَمْوَالَ الْكَثِيرَةَ وَأَعْلَمَهُمْ بِغَزْو الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ وَالْإِقَامَةِ عَلَيْهَا إِلَى أَنْ يَفْتَحُوهَا، ثُمَّ سَارَ سُلَيْمَانُ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَدَخَلَ دِمَشْقَ وَقَدِ اجْتَمَعَتْ لَهُ الْعَسَاكِرُ فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَخَاهُ مَسْلَمَةَ، ثُمَّ قَالَ: