الْحُرُوبِ وَالْفُتُوحَاتِ السَّعِيدَةِ، وَالْآرَاءِ الْحَمِيدَةِ، وَقَدْ هَدَى اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ خَلْقًا لَا يُحْصِيهِمْ إِلَّا اللَّهُ، فَأَسْلَمُوا وَدَانُوا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَفَتَحَ مِنَ الْبِلَادِ وَالْأَقَالِيمِ الْكِبَارِ وَالْمُدُنِ الْعِظَامِ شَيْئًا كَثِيرًا، كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ مُفَصَّلًا مُبَيَّنًا، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُضِيعُ سَعْيَهُ، وَلَا يُخَيِّبُ تَعَبَهُ وَجِهَادَهُ.
وَلَكِنْ زَلَّ زَلَّةً كَانَ فِيهَا حَتْفُهُ، وَفَعَلَ فَعْلَةً رَغِمَ فِيهَا أَنْفُهُ، وَخَلَعَ الطَّاعَةَ فَبَادَرَتْ إِلَيْهِ الْمَنِيَّةُ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ، فَمَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، لَكِنْ سَبَقَ لَهُ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مَا قَدْ يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ مِنْ سَيِّئَاتِهِ، وَيَمْحُو بِهَا عَنْهُ مِنْ خَطِيَّاتِهِ، وَاللَّهُ يُسَامِحُهُ وَيَعْفُو عَنْهُ، وَيَتَقَبَّلُ مِنْهُ مَا كَانَ يُكَابِدُهُ مِنْ مُنَاجَزَةِ الْأَعْدَاءِ.
وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِفَرْغَانَةَ مِنْ أَقْصَى بِلَادِ خُرَاسَانَ فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً، وَكَانَ أَبُوهُ أَبُو صَالِحٍ مِمَّنْ قُتِلَ مَعَ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ عَلَى خُرَاسَانَ عَشْرَ سِنِينَ، وَاسْتَفَادَ وَأَفَادَ فِيهَا خَيْرًا كَثِيرًا، وَقَدْ رَثَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُمَانَةَ الْبَاهِلِيُّ فَقَالَ:
كَأَنَّ أَبَا حَفْصٍ قُتَيْبَةَ لَمْ يَسِرْ ... بِجَيْشٍ إِلَى جَيْشٍ وَلَمْ يَعْلُ مِنْبَرَا
وَلَمْ تَخْفِقِ الرَّايَاتُ وَالْقَوْمُ حَوْلَهُ ... وُقُوفٌ وَلَمْ يَشْهَدْ لَهُ النَّاسُ عَسْكَرَا
دَعَتْهُ الْمَنَايَا فَاسْتَجَابَ لِرَبِّهِ ... وَرَاحَ إِلَى الْجَنَّاتِ عَفًّا مُطَهَّرَا
فَمَا رُزِئَ الْإِسْلَامُ بَعْدَ مُحَمَّدٍ ... بِمَثَلِ أَبِي حَفْصٍ فَبَكِّيهِ عَبْهَرَا