أَرِجَةٌ، وَشَوَارِعُهُ فَرِجَةٌ، فَحَيْثُ مَا شِئْتَ شَمَمْتَ طِيبًا، وَأَيْنَ سَعَيْتَ رَأَيْتَ مَنْظَرًا عَجِيبًا، وَأَفْضَيْتُ إِلَى جَامِعِهِ، فَشَاهَدْتُ مِنْهُ مَا لَيْسَ فِي اسْتِطَاعَةِ الْوَاصِفِ أَنْ يَصِفَهُ، وَلَا الرَّائِي أَنْ يُعَرِّفَهُ، وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ بِكْرُ الدَّهْرِ، وَنَادِرَةُ الْوَقْتِ، وَأُعْجُوبَةُ الزَّمَانِ، وَغَرِيبَةُ الْأَوْقَاتِ، وَلَقَدْ أَثْبَتَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، بِهِ ذِكْرًا يُدْرَسُ، وَخَلَّفَ بِهِ أَمْرًا لَا يَخْفَى وَلَا يَدْرُسُ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْأَدَبِ لِبَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ فِي جَامِعِ دِمَشْقَ، عَمَّرَهُ اللَّهُ بِذِكْرِهِ:
دِمَشْقُ قَدْ شَاعَ حُسْنُ جَامِعِهَا ... وَمَا حَوَتْهُ رُبَى مَرَابِعِهَا
بَدِيعَةُ الْحَسَنِ فِي الْكَمَالِ لِمَا ... يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ مِنْ بَدَائِعِهَا
طَيِّبَةٌ أَرْضُهَا مُبَارَكَةٌ ... بِالْيُمْنِ وَالسَّعْدِ أَخْذُ طَالِعِهَا
جَامِعُهَا جَامِعُ الْمَحَاسِنِ قَدْ ... فَاقَتْ بِهِ الْمُدْنَ فِي جَوَامِعِهَا
بَنِيَّةٌ بِالْإِتْقَانِ قَدْ وُضِعَتْ ... لَا ضَيَّعَ اللَّهُ سَعْيَ وَاضِعِهَا
تُذْكَرُ فِي فَضْلِهِ وَرِفْعَتِهِ ... أَخْبَارُ صِدْقٍ رَاقَتْ لِسَامِعِهَا
قَدْ كَانَ قَبْلَ الْحَرِيقِ مَدْهَشَةً ... فَغَيَّرَتْهُ نَارٌ بِلَافِعِهَا