بِرَصَاصٍ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ بِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ; خَتَمَهُ فِي يَدِهِ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي عُنُقِهِ، وَكَانَ قَصْدُهُ يُذِلُّهُمْ بِذَلِكَ، فَقَالَ أَنَسٌ: إِنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْعَلَ بِهِمْ هَذَا.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِيهَا نَقَضَ الْحَجَّاجُ بُنْيَانَ الْكَعْبَةِ الَّذِي كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بَنَاهُ، وَأَعَادَهَا عَلَى بُنْيَانِهَا الْأَوَّلِ.
قُلْتُ: الْحَجَّاجُ لَمْ يَنْقُضْ بُنْيَانَ الْكَعْبَةِ جَمِيعَهُ؛ بَلْ إِنَّمَا هَدَمَ الْحَائِطَ الشَّامِيَّ، حَتَّى أَخْرَجَ الْحِجْرَ مِنَ الْبَيْتِ، ثُمَّ سَدَّهُ، وَأَدْخَلَ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ مَا فَضَلَ مِنَ الْأَحْجَارِ، وَبَقِيَتِ الْحِيطَانُ الثَّلَاثَةُ بِحَالِهَا ; وَلِهَذَا بَقِيَ الْبَابَانِ الشَّرْقِيُّ وَالْغَرْبِيُّ وَهُمَا مُلْصَقَانِ بِالْأَرْضِ، كَمَا هُوَ الْمُشَاهَدُ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَلَكِنْ سَدَّ الْغَرْبِيَّ بِالْكُلِّيَّةِ، وَرَدَمَ أَسْفَلَ الشَّرْقِيِّ، حَتَّى جَعَلَهُ مُرْتَفِعًا كَمَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَمْ يَبْلُغِ الْحَجَّاجَ وَلَا عَبْدَ الْمَلِكِ مَا كَانَ بَلَغَ ابْنَ الزُّبَيْرِ مِنَ الْعِلْمِ النَّبَوِيِّ، الَّذِي كَانَتْ أَخْبَرَتْهُ بِهِ خَالَتُهُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ - مِنْ قَوْلِهِ: «لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِكُفْرٍ - وَفِي رِوَايَةٍ: بِجَاهِلِيَّةٍ - لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ، وَأَدَخَلْتُ فِيهَا الْحِجْرَ، وَجَعَلْتُ لَهَا بَابًا شَرْقِيًّا، وَبَابًا غَرْبِيًّا، وَلَأَلْصَقْتُهُمَا بِالْأَرْضِ، فَإِنَّ قَوْمَكِ قَصُرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ، فَلَمْ يُدْخِلُوا فِيهَا الْحِجْرَ، وَلَمْ يُتَمِّمُوهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ، وَرَفَعُوا بَابَهَا لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا،