فَجًّا فَدَخَلْنَ فِي خَرِبَةٍ، فَدَخَلْتُ فِي إِثْرِهِنَّ، فَإِذَا مَشْيَخَةٌ جُلُوسٌ فَقَالُوا: مَا جَاءَ بِكَ يَابْنَ الزُّبَيْرِ؟ فَقُلْتُ لَهُمْ: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: الْجِنُّ، وَتِلْكَ النِّسْوَةُ نِسَاؤُنَا، فَمَا تَشْتَهِي يَابْنَ الزُّبَيْرِ؟ فَقُلْتُ: أَشْتَهِي رُطَبًا، وَمَا بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ مِنْ رُطَبَةٍ، فَأَتَوْنِي بِرُطَبٍ فَأَكَلْتُ، ثُمَّ قَالُوا: احْمِلْ مَا بَقِيَ مَعَكَ، فَجِئْتُ بِهِ الْمَنْزِلَ، فَوَضَعْتُهُ فِي سَفَطٍ، وَوَضَعْتُ السَّفَطَ فِي صُنْدُوقٍ، ثُمَّ وَضَعْتُ رَأْسِي لِأَنَامَ، فَبَيْنَمَا أَنَا بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ إِذْ سَمِعْتُ جَلَبَةً فِي الْبَيْتِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَيْنَ وَضَعَهُ؟ قَالُوا: فِي الصُّنْدُوقِ. فَفَتَحُوهُ، فَإِذَا هُوَ فِي السَّفَطِ دَاخِلَهُ، فَهَمُّوا بِفَتْحِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَأَخَذُوا السَّفَطَ بِمَا فِيهِ، فَذَهَبُوا بِهِ، قَالَ: فَلَمْ آسَفْ عَلَى شَيْءٍ أَسَفِي كَيْفَ لَمْ أَثِبْ عَلَيْهِمْ وَهُمْ فِي الْبَيْتِ.

وَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ مِمَّنْ حَاجَفَ عَنْ عُثْمَانَ يَوْمَ الدَّارِ، وَجُرِحَ يَوْمَئِذٍ بِضْعَ عَشْرَةَ جِرَاحَةً، وَكَانَ عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ الْجَمَلِ، وَجُرِحَ يَوْمَئِذٍ تِسْعَ عَشْرَةَ جِرَاحَةً أَيْضًا، وَقَدْ تَبَارَزَ يَوْمَئِذٍ هُوَ وَمَالِكُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْأَشْتَرِ فَاتَّحَدَا فَصَرَعَ الْأَشْتَرُ ابْنَ الزُّبَيْرِ، فَلَمْ يَتَمَكَّنِ الْأَشْتَرُ مِنَ الْقِيَامِ عَنْهُ، بَلِ احْتَضَنَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَجَعَلَ يُنَادِي، وَيَقُولُ:

اقْتُلُونِي وَمَالِكًا وَاقْتُلُوا مَالِكًا مَعِي

فَأَرْسَلَهَا مَثَلًا، ثُمَّ تَفَرَّقَا، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ الْأَشْتَرُ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ جُرِحَ يَوْمَئِذٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015