فَحَاصَرَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ وَقَاتَلَهُ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ الْأَشْدَقُ مُدَّةَ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَرَاسَلَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ، وَقَالَ لَهُ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ وَالرَّحِمَ أَنْ تُفْسِدَ أَمْرَ بَيْتِكَ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنِ اجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ، وَإِنَّ فِيمَا صَنَعْتَ قُوَّةً لِابْنِ الزُّبَيْرِ، فَارْجِعْ إِلَى بَيْتِكَ، وَلَكَ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ. وَحَلَفَ بِالْأَيْمَانِ الْمُؤَكَّدَةِ أَنَّكَ وَلِيُّ عُهَدِي مِنْ بَعْدِي، وَكَتَبَا بَيْنَهُمَا كِتَابًا، فَانْخَدَعَ لَهُ عَمْرٌو وَفَتَحَ أَبْوَابَ دِمَشْقَ، ثُمَّ اصْطَلَحَا عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ، وَعَلَى أَنْ يَكُونَ وَلِيَّ الْعَهْدِ مِنْ بَعْدِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَعَلَى أَنْ يَكُونَ مَعَ كُلِّ عَامِلٍ لِعَبْدِ الْمَلِكِ عَامِلٌ لَهُ، وَكَتَبَا بَيْنَهُمَا كِتَابَ أَمَانٍ، وَذَلِكَ عَشِيَّةَ الْخَمِيسِ. وَدَخَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ دِمَشْقَ إِلَى دَارِ الْإِمَارَةِ عَلَى عَادَتِهِ، وَبَعَثَ إِلَى عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ الْأَشْدَقِ يَقُولُ لَهُ: رُدَّ عَلَى النَّاسِ أَعْطِيَاتِهِمُ الَّتِي أَخَذْتَهَا لَهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ عَمْرٌو يَقُولُ لَهُ: إِنَّ هَذَا لَيْسَ إِلَيْكَ، وَلَيْسَ هَذَا الْبَلَدُ لَكَ، فَاخْرُجْ مِنْهُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ بَعَثَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ يَأْمُرُهُ بِالْإِتْيَانِ إِلَى مَنْزِلِهِ بِدَارِ الْإِمَارَةِ الْخَضْرَاءِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ صَادَفَ عِنْدَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ زَوْجُ ابْنَتِهِ أُمِّ مُوسَى بِنْتِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، فَاسْتَشَارَهُ عَمْرٌو فِي الذَّهَابِ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ وَاللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ سَمْعِي وَبَصَرِي، وَأَرَى أَنْ لَا تَأْتِيَهُ ; فَإِنَّ تُبَيْعًا الْحِمْيَرِيَّ ابْنَ امْرَأَةِ كَعْبِ الْأَحْبَارِ قَالَ: إِنَّ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَاءَ بَنِي إِسْمَاعِيلَ يُغْلِقُ أَبْوَابَ دِمَشْقَ فَلَا يَلْبَثُ أَنْ يُقْتَلَ. فَقَالَ عَمْرٌو: وَاللَّهِ لَوْ كُنْتُ نَائِمًا مَا تَخَوَّفْتُ أَنْ يُنَبِّهَنِي ابْنُ الزَّرْقَاءِ، وَمَا كَانَ لِيَجْتَرِئَ عَلَى ذَلِكَ مِنِّي، مَعَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَتَانِي الْبَارِحَةَ فِي الْمَنَامِ