كَانَتْ أُمِّي مِنَ النِّسَاءِ وَكُنْتُ أَنَا مِنَ الْوِلْدَانِ. وَهَاجَرَ مَعَ أَبِيهِ قَبْلَ الْفَتْحِ، فَاتَّفَقَ لُقْيَاهُمَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجُحْفَةِ وَهُوَ ذَاهِبٌ لِفَتْحِ مَكَّةَ، فَشَهِدَ الْفَتْحَ وَحُنَيْنًا وَالطَّائِفَ عَامَ ثَمَانٍ، وَقِيلَ: كَانَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ، وَحَجَّةُ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ. وَصَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حِينَئِذٍ وَلَزِمَهُ وَأَخَذَ عَنْهُ وَحَفِظَ، وَضَبَطَ الْأَقْوَالَ وَالْأَفْعَالَ وَالْأَحْوَالَ، وَأَخَذَ عَنِ الصَّحَابَةِ عِلْمًا عَظِيمًا مَعَ الْفَهْمِ الثَّاقِبِ وَالْبَلَاغَةِ وَالْفَصَاحَةِ وَالْجَمَالِ وَالْمَلَاحَةِ وَالْأَصَالَةِ وَالْبَيَانِ، وَدَعَا لَهُ رَسُولُ الرَّحْمَنِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ كَمَا وَرَدَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الثَّابِتَةُ الْأَرْكَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا لَهُ بِأَنْ يُعَلِّمَهُ اللَّهُ التَّأْوِيلَ، وَأَنْ يُفَقِّهَهُ فِي الدِّينِ.
وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنِي سَاعِدَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ عُمَرَ كَانَ يَدْعُو عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ فَيُقَرِّبُهُ وَيَقُولُ: «إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاكَ يَوْمًا فَمَسَحَ رَأْسَكَ، وَتَفَلَ فِي فِيكَ وَقَالَ: اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ» ، وَبِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ وَانْشُرْ مِنْهُ» ، وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَوَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ