زِيَادٍ - وَكَانَ رَامِيًا، وَهُوَ أَبُو الشَّعْثَاءِ الْكِنْدِيُّ مِنْ بَنِي بَهْدَلَةَ - جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ بَيْنَ يَدَيِ الْحُسَيْنِ، فَرَمَى بِمِائَةِ سَهْمٍ مَا سَقَطَ مِنْهَا عَلَى الْأَرْضِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الرَّمْيِ قَالَ: قَدْ تَبَيَّنَ لِي أَنِّي قَتَلْتُ خَمْسَةَ نَفَرٍ، وَكَانَ فِي أَوَّلِ مَنْ قُتِلَ، وَكَانَ رَجَزُهُ يَوْمَئِذٍ:
أَنَا يَزِيدُ وَأَبِي مُهَاصِرْ ... أَشْجَعُ مِنْ لَيْثٍ بَغِيلٍ خَادِرْ
يَا رَبِّ إِنِّي لِلْحُسَيْنِ نَاصِرْ
وَلِابْنِ سَعْدٍ تَارِكٌ وَهَاجِرْ
قَالُوا: وَمَكَثَ الْحُسَيْنُ نَهَارًا طَوِيلًا لَا يَأْتِي إِلَيْهِ رَجُلٌ إِلَّا رَجَعَ عَنْهُ ; لَا يُحِبُّ أَنْ يَلِيَ قَتْلَهُ، حَتَّى جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي بَدَّاءَ يُقَالُ لَهُ: مَالِكُ بْنُ النُّسَيْرِ. فَضَرَبَ الْحُسَيْنَ بِالسَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ فَجَرَحَهُ، وَكَانَ عَلَيْهِ بُرْنُسٌ، فَامْتَلَأَ دَمًا، فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ: لَا أَكَلْتَ بِهَا وَلَا شَرِبْتَ، وَحَشَرَكَ اللَّهُ مَعَ الظَّالِمِينَ. ثُمَّ أَلْقَى الْحُسَيْنُ ذَلِكَ الْبُرْنُسَ، وَدَعَا بِعِمَامَةٍ فَاعْتَمَّ بِهَا. قَالَ: ثُمَّ إِنَّ الْحُسَيْنَ أَعْيَا،