عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ مُعَاوِيَةُ وَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنَّهُ بِالْمَوْتِ قَالَ لِأَهْلِهِ: احْشُوَا عَيْنَيَّ إِثْمِدًا، وَأَوْسِعُوا رَأْسِي دُهْنًا. فَفَعَلُوا وَبَرَّقُوا وَجْهَهُ بِالدُّهْنِ، ثُمَّ مُهِّدَ لَهُ فَجَلَسَ وَقَالَ: أَسْنَدُونِي. ثُمَّ قَالَ: ائْذَنُوا لِلنَّاسِ فَلْيُسَلِّمُوا عَلَيَّ قِيَامًا وَلَا يَجْلِسْ أَحَدٌ. فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَدْخُلُ فَيُسَلِّمُ قَائِمًا فَيَرَاهُ مُتَكَحِّلًا مُتَدَهِّنًا، فَيَقُولُ مُتَقَوِّلُ النَّاسِ: هُوَ لَمًّا بِهِ، وَهُوَ أَصَحُّ النَّاسِ. فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ قَالَ مُعَاوِيَةُ:
وَتَجَلُّدِي لِلشَّامِتِينَ أُرِيهِمُ ... أَنِّي لِرَيْبِ الدَّهْرِ لَا أَتَضَعْضَعُ
وَإِذَا الْمَنِيَّةُ أَنْشَبَتْ أَظْفَارَهَا ... أَلْفَيْتَ كُلَّ تَمِيمَةٍ لَا تَنْفَعُ
قَالَ: وَكَانَ بِهِ الْتِفَاتَةٌ، يَعْنِي لَقْوَةً، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ، رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُقْبَةَ: لَمَّا نَزَلَ بِمُعَاوِيَةَ الْمَوْتَ قَالَ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ بِذِي طَوًى وَلَمْ أَلِ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ شَيْئًا.
وَقَالَ أَبُو السَّائِبِ الْمَخْزُومِيُّ: لَمَّا حَضَرَتْ مُعَاوِيَةَ الْوَفَاةُ تَمَثَّلَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
إِنْ تُنَاقِشْ يَكُنْ نِقَاشُكَ يَا رَبِّ ... عَذَابًا لَا طَوْقَ لِي بِالْعَذَابِ
أَوْ تُجَاوِزْ تَجَاوُزَ الْعَفْوِ فَاصْفَحْ ... عَنْ مُسِيءٍ ذُنُوبُهُ كَالتُّرَابِ