الشَّامِ لِمُعَاوِيَةَ مَا رَأَى، أَفْزَعَهُ ذَلِكَ، وَعَجِبَ مِنْهُ. وَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِجَرِيرٍ: إِنْ وَلَّانِي عَلَى الشَّامِ وَمِصْرَ بَايَعْتُهُ عَلَى أَلَّا يَكُونَ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ عَلَيَّ بَيْعَةٌ. فَقَالَ: اكْتُبْ إِلَى عَلِيٍّ بِمَا شِئْتَ، وَأَنَا أَكْتُبُ مَعَكَ. فَلَمَّا بَلَغَ عَلِيًّا الْكِتَابُ قَالَ: هَذِهِ خَدِيعَةٌ، وَقَدْ سَأَلَنِي الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ أَنْ أُوَلِّيَ مُعَاوِيَةَ الشَّامَ وَأَنَا بِالْمَدِينَةِ، فَأَبَيْتُ ذَلِكَ {وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} [الكهف: 51] . ثُمَّ كَتَبَ إِلَى جَرِيرٍ بِالْقُدُومِ عَلَيْهِ، فَمَا قَدِمَ إِلَّا وَقَدِ اجْتَمَعَتِ الْعَسَاكِرُ إِلَى عَلِيٍّ، وَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - وَكَانَ مُعْتَزِلًا بِفِلَسْطِينَ حِينَ قُتِلَ عُثْمَانُ - وَكَانَ عُثْمَانُ قَدْ عَزَلَهُ عَنْ مِصْرَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ يَسْتَدْعِيهِ لِيَسْتَشِيرَهُ فِي أُمُورِهِ، فَرَكِبَ إِلَيْهِ، فَاجْتَمَعَا عَلَى حَرْبِ عَلِيٍّ.

وَقَدْ قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، فِي كِتَابِ مُعَاوِيَةَ إِلَى عَلِيٍّ حِينَ سَأَلَهُ نِيَابَةَ الشَّامِ وَمِصْرَ، فَكَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ يُؤَنِّبُهُ وَيَلُومُهُ عَلَى ذَلِكَ وَيُعَرِّضُ بِأَشْيَاءَ فِيهِ:

مُعَاوِيَ إِنَّ الشَّامَ شَامُكَ فَاعْتَصِمْ ... بِشَامِكَ لَا تُدْخِلْ عَلَيْكَ الْأَفَاعِيَا

وَحَامِ عَلَيْهَا بِالْقَبَائِلِ وَالْقَنَا ... وَلَا تَكُ مَخْشُوشَ الذِّرَاعَيْنِ وَانِيَا

فَإِنَّ عَلِيًّا نَاظِرٌ مَا تُجِيبُهُ ... فَأَهْدِ لَهُ حَرْبًا تُشِيبُ النَّوَاصِيَا

وَإِلَّا فَسَلِّمْ إِنَّ فِي الْأَمْنِ رَاحَةً ... لِمَنْ لَا يُرِيدُ الْحَرْبَ فَاخْتَرْ مُعَاوِيَا

وَإِنَّ كِتَابًا يَا ابْنَ حَرْبٍ كَتَبْتَهُ ... عَلَى طَمَعٍ جَانٍ عَلَيْكَ الدَّوَاهِيَا

سَأَلْتَ عَلِيًّا فِيهِ مَا لَا تَنَالُهُ ... وَلَوْ نِلْتَهُ لَمْ يَبْقَ إِلَّا لَيَالِيَا

إِلَى أَنْ تَرَى مِنْهُ الَّتِي لَيْسَ بَعْدَهَا ... بَقَاءٌ فَلَا تُكْثِرْ عَلَيْكَ الْأَمَانِيَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015