فِي الصُّلْحِ، فَانْتَهَى الْحَالُ إِلَى أَنْ خَلَعَ الْحَسَنُ نَفْسَهُ مِنَ الْخِلَافَةِ، وَسَلَّمَ الْمُلْكَ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَكَانَ ذَلِكَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ - أَعْنِي سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ - وَدَخْلَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْكُوفَةِ فَخَطْبَ النَّاسَ بِهَا خُطْبَةً بَلِيغَةً بَعْدَ مَا بَايَعَهُ النَّاسُ، وَاسْتَوْسَقَتْ لَهُ الْمَمَالِكُ شَرْقًا وَغَرْبًا، وَبُعْدًا وَقُرْبًا، وَسُمِّيَ هَذَا الْعَامُ عَامُ الْجَمَاعَةِ ; لِاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ فِيهِ عَلَى أَمِيرٍ وَاحِدٍ بَعْدَ الْفُرْقَةِ، فَوَلِيَ مُعَاوِيَةُ قَضَاءَ الشَّامِ لِفَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، ثُمَّ بَعْدَهُ لِأَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، وَكَانَ عَلَى شُرْطَتِهِ قَيْسُ بْنُ حَمْزَةَ، وَكَانَ كَاتِبَهُ وَصَاحِبَ أَمْرِهِ سَرْجُونُ بْنُ مَنْصُورِ الرُّومِيُّ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ أَوَّلُ مَنِ اتَّخَذَ الْحَرَسَ، وَأَوَّلُ مِنْ حَزَمَ الْكُتُبَ وَخَتَمَهَا. وَكَانَ أَوَّلَ الْأَحْدَاثِ فِي دَوْلَتِهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَكَانَ سَبَبَ ذَلِكَ أَنْ مُعَاوِيَةَ لَمَّا دَخَلَ الْكُوفَةَ وَخَرَجَ الْحَسَنُ وَأَهْلُهُ مِنْهَا قَاصِدِينَ إِلَى الْحِجَازِ، قَالَتْ فِرْقَةٌ مِنَ الْخَوَارِجِ نَحْوٌ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ: جَاءَ مَا لَا يَشُكُّ فِيهِ، فَسِيرُوا إِلَى مُعَاوِيَةَ فَجَاهِدُوهُ. فَسَارُوا حَتَّى قَرَبُوا مِنَ الْكُوفَةِ وَعَلَيْهِمْ فَرْوَةُ بْنُ نَوْفَلٍ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مُعَاوِيَةُ خَيْلًا مِنَ أَهْلِ الشَّامِ، فَطَرَدُوا الشَّامِيِّينَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِأَهْلِ الْكُوفَةِ: لَا أَمَانَ لَكُمْ عِنْدِي حَتَّى تَكُفُّوا بَوَائِقَكُمْ. فَخَرَجُوا إِلَى الْخَوَارِجِ، فَقَالَتْ لَهُمُ الْخَوَارِجُ: وَيْلَكُمْ، مَا تَبْغُونَ؟ أَلَيْسَ مُعَاوِيَةُ عَدُوَّكُمْ