كَاتَبُوهُ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَغَيْرِهَا، وَاجْتَمَعَ الْجَمِيعُ بِالنَّهْرَوَانِ، وَصَارَتْ لَهُمْ شَوْكَةٌ وَمَنَعَةٌ، وَهُمْ جُنْدٌ مُسْتَقِلُّونَ وَفِيهِمْ شَجَاعَةٌ وَثَبَاتٌ وَصَبْرٌ، وَعِنْدَهُمْ أَنَّهُمْ مُتَقَرِّبُونَ بِذَلِكَ إِلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ ; فَهُمْ قَوْمٌ لَا يُصْطَلَى لَهُمْ بِنَارٍ، وَلَا يَطْمَعُ أَحَدٌ فِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ بِثَأْرٍ، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.
وَقَالَ أَبُو مِخْنَفٍ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا خَرَجَتِ الْخَوَارِجُ إِلَى النَّهْرَوَانِ وَهَرَبَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ إِلَى مَكَّةَ، وَرَدَّ ابْنَ عَبَّاسٍ إِلَى الْبَصْرَةِ، قَامَ فِي النَّاسِ بِالْكُوفَةِ خَطِيبًا فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَإِنْ أَتَى الدَّهْرُ بِالْخَطْبِ الْفَادِحِ، وَالْحَدَثَانِ الْجَلِيلِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الْمَعْصِيَةَ تُورِثُ الْحَسْرَةَ، وَتُعْقِبُ النَّدَمَ، وَقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ فِي هَذَيْنَ الرَّجُلَيْنِ وَفِي هَذِهِ الْحُكُومَةِ بِأَمْرِي، وَنَحَلْتُكُمْ رَأْيِي، فَأَبَيْتُمْ إِلَّا مَا أَرَدْتُمْ، فَكُنْتُ أَنَا وَأَنْتُمْ كَمَا قَالَ أَخُو هَوَازِنَ فَأَجَادَ:
بَذَلْتُ لَهُمْ نُصْحِي بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى ... فَلَمْ يَسْتَبِينُوا الرُّشْدَ إِلَّا ضُحَى الْغَدِ