فَرْوَتِهِ، فَإِنَّ غَوْغَاءَ النَّاسِ إِذَا تَفَرَّغُوا وَبَطِلُوا، اشْتَغَلُوا بِمَا لَا يُغْنِي، وَتَكَلَّمُوا فِيمَا لَا يُرْضِي، وَإِذَا تَفَرَّقُوا نَفَعُوا أَنْفُسَهُمْ وَغَيْرَهُمْ. وَأَشَارَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ بِأَنْ يَسْتَأْصِلَ شَأْفَةَ الْمُفْسِدِينَ، وَيَقْطَعَ دَابِرَهُمْ. وَأَشَارَ مُعَاوِيَةُ بِأَنْ يَرُدَّ عُمَّالَهُ إِلَى أَقَالِيمِهِمْ، وَأَنْ لَا يَلْتَفِتَ إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَا تَأَلَّبُوا عَلَيْهِ مِنَ الشَّرِّ، فَإِنَّهُمْ أَقَلُّ وَأَضْعَفُ جُنْدًا. وَأَشَارَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ بِأَنْ يَتَأَلَّفَهُمْ بِالْمَالِ فَيُعْطِيَهِمْ مِنْهُ مَا يَكُفُّ بِهِ شَرَّهُمْ، وَيَأْمَنُ غَائِلَتَهُمْ، وَيَعْطِفُ بِهِ قُلُوبَهُمْ إِلَيْهِ. وَأَمَّا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَامَ فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا عُثْمَانُ، فَإِنَّكَ قَدْ رَكَّبْتَ النَّاسَ مَا يَكْرَهُونَ، فَإِمَّا أَنْ تَعْزِلَ عَنْهُمْ مَا يَكْرَهُونَ، وَإِمَّا أَنْ تَقَدَّمَ فَتُنْزِلَ عُمَّالَكَ عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ. وَقَالَ لَهُ كَلَامًا فِيهِ غِلْظَةٌ، ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ فِي السِّرِّ بِأَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ هَذَا لِيُبَلِّغَ عَنْهُ مَنْ كَانَ حَاضِرًا مِنَ النَّاسِ إِلَيْهِمْ لِيَرْضَوْا مِنْ عُثْمَانَ بِهَذَا، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَرَّرَ عُثْمَانُ عُمَّالَهُ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ، وَتَأَلَّفَ قُلُوبَ أُولَئِكَ بِالْمَالِ، وَأَمَرَ بِأَنْ يُبْعَثُوا فِي الْغَزْوِ إِلَى الثُّغُورِ، فَجَمَعَ بَيْنَ الْمَصَالِحِ كُلِّهَا، وَلَمَّا رَجَعَتِ الْعُمَّالُ إِلَى أَقَالِيمِهَا امْتَنَعَ أَهْلُ الْكُوفَةِ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِمْ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ، وَلَبِسُوا السِّلَاحَ وَحَلَفُوا أَنْ لَا يُمَكِّنُوهُ مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَعْزِلَهُ عُثْمَانُ وَيُوَلِّيَ عَلَيْهِمْ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ، وَكَانَ اجْتِمَاعُهُمْ بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ: الْجَرَعَةُ. وَقَدْ قَالَ يَوْمَئِذٍ الْأَشْتَرُ النَّخَعِيُّ وَاللَّهِ لَا يُدْخِلُهَا عَلَيْنَا مَا حَمَلْنَا سُيُوفَنَا. وَتَوَاقَفَ النَّاسُ بِالْجَرَعَةِ، وَأَحْجَمَ سَعِيدٌ عَنْ قِتَالِهِمْ وَصَمَّمُوا