مِنْهُ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: فَنَظَرْتُ إِلَى الْمَلِكِ جُرْجِيرَ مِنْ وَرَاءِ الصُّفُوفِ وَهُوَ رَاكِبٌ عَلَى بِرْذَوْنٍ وَجَارِيَتَانِ تُظِلَّانِهِ بِرِيشِ الطَّوَاوِيسِ، فَذَهَبْتُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَبْعَثَ مَعِيَ مَنْ يَحْمِي ظَهْرِي وَأَقْصِدُ الْمَلِكَ، فَجَهَّزَ مَعِي جَمَاعَةً مِنَ الشُّجْعَانِ. قَالَ: فَأَمَرَ بِهِمْ فَحَمَوْا ظَهْرِي، وَذَهَبْتُ حَتَّى اخْتَرَقْتُ الصُّفُوفَ إِلَيْهِ - وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنِّي فِي رِسَالَةٍ إِلَى الْمَلِكِ - فَلَمَّا اقْتَرَبْتُ مِنْهُ أَحَسَّ مِنِّي الشَّرَّ فَفَرَّ عَلَى بِرْذَوْنِهِ، فَلَحِقْتُهُ فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي، وَذَفَفْتُ عَلَيْهِ بِسَيْفِي، وَأَخَذْتُ رَأْسَهُ فَنَصَبْتُهُ عَلَى رَأْسِ الرُّمْحِ، وَكَبَّرْتُ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْبَرْبَرُ فَرِقُوا وَفَرُّوا كَفِرَارِ الْقَطَا، وَأَتْبَعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ، فَغَنِمُوا غَنَائِمَ جَمَّةً، وَأَمْوَالًا كَثِيرَةً، وَسَبْيًا عَظِيمًا، وَذَلِكَ بِبَلَدٍ يُقَالُ لَهُ: سُبَيْطِلَةُ. عَلَى يَوْمَيْنِ مِنَ الْقَيْرَوَانِ. فَكَانَ هَذَا أَوَّلَ مَوْقِفٍ اشْتَهَرَ فِيهِ أَمْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْ أَبِيهِ وَأَصْحَابِهِمَا أَجْمَعِينَ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ افْتُتِحَتْ إِصْطَخْرُ ثَانِيَةً عَلَى يَدَيْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، وَفِيهَا غَزَا مُعَاوِيَةُ قِنَّسْرِينَ. وَفِيهَا حَجَّ بِالنَّاسِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: قَالَ بَعْضُهُمْ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ غَزَا مُعَاوِيَةُ قُبْرُسَ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ. وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ: غَزَاهَا مُعَاوِيَةُ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.