حَتَّى جَاءُوا عُمَرَ، فَسَأَلَهُ عُمَرُ: كَيْفَ يُصَلِّي؟ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ يَطُولُ فِي الْأُولَيَيْنِ وَيُخَفِّفُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَمَا آلُو مَا اقْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ. وَقَالَ سَعْدٌ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ: لَقَدْ أَسْلَمْتُ خَامِسَ خَمْسَةٍ، وَلَقَدْ كُنَّا وَمَا لَنَا طَعَامٌ إِلَّا وَرَقُ الْحُبْلَةِ حَتَّى تَقَرَّحَتْ أَشْدَاقُنَا، وَإِنِّي لَأَوَّلُ رَجُلٍ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَقَدْ جَمَعَ لِي رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَ أُحُدٍ أَبَوَيْهِ وَمَا جَمَعَهُمَا لِأَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ أَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ يَقُولُونَ: لَا يُحْسِنُ يُصَلِّي. وَفِي رِوَايَةٍ: تُعَزِّرُنِي عَلَى الْإِسْلَامِ، لَقَدْ خِبْتُ إِذًا وَضَلَّ عَمَلِي. ثُمَّ قَالَ عُمَرُ لِسَعْدٍ: مَنِ اسْتَخْلَفْتَ عَلَى الْكُوفَةِ؟ فَقَالَ: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِتْبَانَ. فَأَقَرَّهُ عُمَرُ عَلَى نِيَابَتِهِ الْكُوفَةَ - وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا مِنْ أَشْرَافِ الصَّحَابَةِ، حَلِيفًا لِبَنِي الْحُبْلَى مِنَ الْأَنْصَارِ - وَاسْتَمَرَّ سَعْدٌ مَعْزُولًا مِنْ غَيْرِ عَجْزٍ وَلَا خِيَانَةٍ، وَتَهَدَّدَ أُولَئِكَ النَّفَرَ، وَكَادَ يُوقِعُ بِهِمْ بَأْسًا، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ أَنْ لَا يَشْكُوَ أَحَدٌ أَمِيرًا.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ اجْتَمَعُوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ بِأَرْضِ نَهَاوَنْدَ حَتَّى اجْتَمَعَ مِنْهُمْ مِائَةُ أَلْفٍ وَخَمْسُونَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ، وَعَلَيْهِمُ الْفَيْرُزَانُ، وَيُقَالُ: بُنْدَارٌ. وَيُقَالُ: ذُو الْحَاجِبِ. وَتَذَامَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا الَّذِي جَاءَ الْعَرَبَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِبِلَادِنَا، وَلَا أَبُو بَكْرٍ الَّذِي قَامَ بَعْدَهُ تَعَرَّضُ لَنَا فِي دَارِ مُلْكِنَا، وَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ هَذَا لَمَّا طَالَ مُلْكُهُ انْتَهَكَ حُرْمَتَنَا وَأَخَذَ بِلَادَنَا، وَلَمْ يَكْفِهِ ذَلِكَ حَتَّى أَغْزَانَا فِي عُقْرِ دَارِنَا، وَأَخَذَ بَيْتَ الْمَمْلَكَةِ، وَلَيْسَ بِمُنْتَهٍ حَتَّى يُخْرِجَكُمْ مِنْ