وَالْمُسْلِمُونَ يَنْظُرُونَ إِلَى مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ الْفُرْسَانُ بِالْفُرْسِ، وَسَعْدٌ وَاقِفٌ عَلَى شَاطِئِ دِجْلَةَ. ثُمَّ نَزَلَ سَعْدٌ بِبَقِيَّةِ الْجَيْشِ، وَذَلِكَ حِينَ نَظَرُوا إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ وَقَدْ تَحَصَّنَ بِمَنْ حَصَلَ فِيهِ مِنَ الْفُرْسَانِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ أَمَرَ سَعْدٌ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ دُخُولِ الْمَاءِ أَنْ يَقُولُوا: نَسْتَعِينُ بِاللَّهِ، وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. ثُمَّ اقْتَحَمَ بِفَرَسِهِ دِجْلَةَ، وَاقْتَحَمَ النَّاسُ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ أَحَدٌ فَسَارُوا فِيهَا كَأَنَّمَا يَسِيرُونَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، حَتَّى مَلَأُوا مَا بَيْنَ الْجَانِبَيْنِ، فَلَا يُرَى وَجْهُ الْمَاءِ مِنَ الْفُرْسَانِ وَالرَّجَّالَةِ، وَجَعَلَ النَّاسُ يَتَحَدَّثُونَ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ كَمَا يَتَحَدَّثُونَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ; وَذَلِكَ لِمَا حَصَلَ لَهُمْ مِنَ الطُّمَأْنِينَةِ وَالْأَمْنِ، وَالْوُثُوقِ بِأَمْرِ اللَّهِ وَوَعْدِهِ وَنَصْرِهِ، وَتَأْيِيدِهِ، وَلِأَنَّ أَمِيرَهُمْ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ أَحَدُ الْعَشْرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَقَدْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ عَنْهُ رَاضٍ، وَدَعَا لَهُ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَجِبْ دَعْوَتَهُ وَسَدِّدْ رَمْيَتَهُ»
وَالْمَقْطُوعُ بِهِ أَنَّ سَعْدًا دَعَا لِجَيْشِهِ هَذَا فِي هَذَا الْيَوْمِ بِالسَّلَامَةِ وَالنَّصْرِ، وَقَدْ رَمَى بِهِمْ فِي هَذَا الْيَمِّ، فَسَدَّدَهُمُ اللَّهُ وَسَلَّمَهُمْ، فَلَمْ يُفْقَدْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَجُلٌ وَاحِدٌ، غَيْرَ أَنَّ رَجُلًا وَاحِدًا يُقَالُ لَهُ: غَرْقَدَةُ الْبَارِقِيُّ، ذَلَّ عَنْ فَرَسٍ لَهُ شَقْرَاءَ، فَأَخَذَ الْقَعْقَاعُ بْنُ عَمْرٍو بِلِجَامِهَا، وَأَخْذَ بِيَدِ الرَّجُلِ حَتَّى عَدَلَهُ عَلَى فَرَسِهِ، وَكَانَ مِنَ الشُّجْعَانِ، فَقَالَ: عَجَزَ النِّسَاءُ أَنْ يَلِدْنَ مِثْلَ الْقَعْقَاعِ بْنِ عَمْرٍو. وَلَمْ يُعْدَمْ